أسنت القوم ، أى أجدبوا وقحطوا (١).
وقال الآلوسى : هذا شروع في تفصيل مبادئ الهلاك الموعود به ، وإيذان بأنهم لم يمهلوا حتى تحولوا من حال إلى حال إلى أن حل بهم عذاب الاستئصال (٢).
والمعنى : ولقد أخذنا آل فرعون أى : اختبرناهم وامتحناهم بالجدب والقحط ، وضيق المعيشة ، وانتقاص الثمرات لعلهم يثوبون إلى رشدهم ؛ ويتذكرون ضعفهم أمام قوة خالقهم ، ويرجعون عما هم فيه من الكفر والعصيان ، فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب ، وتصفى النفوس ، وترغب في الضراعة إلى الله ، وتدعو إلى اليقظة والتفكير ومحاسبة النفس على الخطايا اتقاء للبلايا.
وصدرت الآية الكريمة بالقسم ، لإظهار الاعتناء بمضمونها.
والمراد بآل فرعون قومه وأتباعه ، فهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه ، لأن قوته المالية والجندية منهم ، وقد خلقهم الله أحرارا ؛ وأكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة فكان حقا عليهم ألا يقبلوا استعباده لهم وجعلهم آلة لطغيانه ، لا سيما بعد بعثة موسى ـ عليهالسلام ـ ووصول دعوته إليهم ، ورؤيتهم لما أيده الله به من الآيات (٣).
وإضافة الآل إليه وهو لا يضاف إلا إلى الأشراف ، لما فيه من الشرف الدنيوي الظاهر ، وإن كان في نفس الأمر خسيسا.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن آل فرعون لم يعتبروا بهذا الأخذ والامتحان ، وإنما ازدادوا تمردا وكفرا فقال : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا : لَنا هذِهِ).
أى : فإذا جاءهم ما يستحسنونه من الخصب والسعة والرخاء ، قالوا بغرور وصلف : ما جاء هذا الخير إلا من أجلنا لأننا أهل له ، ونحن مستحقوه وبكدنا واجتهادنا وامتيازنا على غيرنا ناسين فضل الله عليهم ، ولطفه بهم ، غافلين عن شكره على نعمائه.
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أى : وإن اتفق أن أصابتهم سيئة أى : حالة تسؤهم كجدب أو قحط أو مصيبة في الأبدان أو الأرزاق ، تشاءموا بموسى ومن معه من أتباعه ، وقالوا : ما أصابنا ما أصابنا إلا بشؤمهم ونحسهم ، ولو لم يكونوا معنا لما أصبنا.
وأصل (يَطَّيَّرُوا) يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء لمقاربتها لها. والتطير التشاؤم والأصل في
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٢ ص ٢٩٣.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ١٣٨.
(٣) تفسير المنار ج ٩ ص ٨٦.