وجملة ـ لا نكلف نفسا إلا وسعها ـ معترضة بين المبتدأ الذي هو قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) وبين الخبر الذي هو قوله : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ).
قال الجمل : «وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر ، لأنه من جنس هذا الكلام ، لأنه ـ سبحانه ـ لما ذكر عملهم الصالح ، ذكر أن ذلك العمل من وسعهم وطاقتهم وغير خارج عن قدرتهم ، وفيه تنبيه للكفار على أن الجنة مع عظم قدرها ، يتوصل إليها بالعمل السهل من غير مشقة ولا صعوبة (١)».
وقال صاحب الكشاف : «وجملة (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) معترضة بين المبتدأ والخبر ، للترغيب في اكتساب ما لا يكتنهه وصف الواصف من النعيم الخالد مع التعظيم بما هو في الوسع ، وهو الإمكان الواسع غير الضيق من الإيمان والعمل الصالح (٢)».
ثم بين ـ سبحانه ـ ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسي ونقاء قلبي فقال ـ تعالى ـ : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أى : قلعنا ما في قلوبهم من تحاقد وعداوات في الدنيا ، فهم يدخلون الجنة بقلوب سليمة ، زاخرة بالتواد والتعاطف حالة كونهم تجرى من تحتهم الأنهار فيرونها وهم في غرفات قصورهم فيزداد سرورهم وحبورهم.
(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ). أى : قالوا شاكرين لله أنعمه ومننه : الحمد لله الذي هدانا في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح ، وأعطانا في الآخرة هذا النعيم الجزيل ، وما كنا لنهتدي إلى ما نحن فيه من نعيم لو لا أن هدانا الله إليه بفضله وتوفيقه. وجواب لو لا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : ولو لا هداية الله موجودة ما اهتدينا.
وقوله : (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) جملة قسمية ، أى : والله لقد جاءت رسل ربنا في الدنيا بالحق ، لأن ما أخبرونا به قد وجدنا مصداقه في الآخرة.
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى : ونودوا من قبل الخالق ـ عزوجل ـ بأن قيل لهم : تلكم هي الجنة التي كانت الرسل تعدكم بها في الدنيا قد أورثكم الله إياها بسبب ما قدمتموه من عمل صالح.
فالآية الكريمة صريحة في أن الجنة قد ظفر بها المؤمنون بسبب أعمالهم الصالحة.
فإن قيل : إن هناك أحاديث صحيحة تصرح بأن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما بفضل الله،
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٤٣.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٠٤.