أمرت من خالقي أن أكون أول من يسلم له وجهه ويخصه بالعبادة ، كما أنى نهيت عن أن أكون من المشركين الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى.
وصح عطف الجملة الثانية الإنشائية على الأولى الخبرية لأن الأولى خبرية في اللفظ ولكنها إنشائية في المعنى فكانت في قوة الجملة الطلبية والتقدير : كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ، ويجوز عطفها على جملة (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ) وهي إنشائية في اللفظ والمعنى.
ثم أمره ـ سبحانه ـ بأن يعلن أمامهم بأن خوفه من خالقه يحتم عليه أن يبتعد عن كل معصية فقال :
(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
أى : قل لهم ـ يا محمد ـ على سبيل الإنذار والتحذير من الاستمرار في الكفر إنى أخاف إن عصيت خالقي عذاب يوم عظيم الأهوال تذهل فيه (كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها ، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ).
وفي هذا التحذير أسمى ألوان التعبير والتصوير لأنه إذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم وهو أحب الخلق إلى الله سينا له العذاب إن كان ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ قد عصى ربه في الدنيا. فكيف بأولئك الذين أشركوا مع الله آلهة أخرى؟ فمن الواجب عليهم أن يقتدوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم في عبادته وإخلاصه لربه.
وكلمة (عَذابَ) مفعول لأخاف ، وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن عصيت ربي استحققت العذاب العظيم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن النجاة من هول هذا اليوم غنيمة ليس بعدها غنيمة فقال : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ، وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ).
أى : من يصرف عنه عذاب هذا اليوم ، فإنه يكون ممن شملتهم رحمة الله ورعايته ، وذلك هو الفوز الذي ليس بعده فوز.
والضمير الذي يعتبر نائب فاعل ليصرف ، يعود على العذاب العظيم الذي سيحل بالمجرمين يوم القيامة.
وفي قراءة لحمزة والكسائي وأبى بكر عن عاصم (من يصرف) بفتح الياء فيكون الضمير عائدا على الله ـ ويكون المفعول محذوفا. والتقدير من يصرف الله عنه هذا العذاب العظيم في ذلك اليوم فقد شملته رحمة الله ، وعلى كلتا القراءتين فالضمير في قوله (فقد رحمه) يعود على الله ـ تعالى ـ :