أما قوله (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) فهو أخذ بالإنسان عما جرت به عادته من التأثر بصلات القربى في المحاباة للأقرباء والظلم لغيرهم.
فالقرآن يرتفع بالضمير البشرى إلى مستوى سامق رفيع ، على هدى من العقيدة في الله ، بأن يكلفه بتحرى العدل في كل أحواله ولو إزاء أقرب المقربين إليه.
أما الوصية التاسعة والأخيرة في هذه الآية فهي قوله ـ تعالى ـ (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أى : كونوا أوفياء مع الله في كل ما عهد إليكم به من العبادات والمعاملات وغيرها.
إذ الوفاء أصل من الأصول التي يتحقق بها الخير والصلاح ، وتستقر عليها أمور الناس.
وقوله : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) يفيد الحصر لتقديم المعمول ، وفي هذا إشعار بأن هناك عهودا غير جديرة بأن تنسب إلى الله ، وهي العهود القائمة على الظلم أو الباطل ، أو الفساد ، فمثل هذه العهود غير جديرة بالاحترام ، ويجب العمل على التخلص منها.
ثم ختمت الآية بقوله ـ تعالى ـ (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أى : ذلكم المتلو عليكم في هذه الآية من الأوامر والنواهي وصاكم الله به في كتابه رجاء أن تتذكروا وتعتبروا وتعملوا بما أمرتم به وتجتنبوا ما نهيتم عنه أو رجاء أن يذكّر بعضكم بعضا فإن التناصح واجب بين المسلمين.
أما الوصية العاشرة فهي قوله ـ تعالى ـ في الآية الثالثة من هذه الآيات : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).
قرأ الجمهور بفتح همزة (أَنَ) وتشديد النون. ومحلها مع ما في حيزها الجر بحذف لام العلة. أى : ولأن هذا الذي وصيتكم به من الأوامر والنواهي طريقي وديني الذي لا اعوجاج فيه ، فمن الواجب عليكم أن تتبعوه وتعملوا به.
ويحتمل أن يكون محلها مع ما في حيزها النصب على (ما حَرَّمَ) أى : وأتلو عليكم أن هذا صراطي مستقيما.
وقرأ حمزة والكسائي «إن» بكسر الهمزة على الاستئناف.
وقوله (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) يعنى الأديان الباطلة ، والبدع والضلالات الفاسدة (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أى. فتفرقكم عن صراط الله المستقيم وهو دين الإسلام الذي ارتضاه لكم.
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : خط لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً).