وتوجيه الخطاب إليهما في قوله : (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به. أى : كلا من مطاعم الجنة وثمارها أكلا واسعا من أى مكان أردتم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه نهاهم عن الأكل من شجرة معينة فقال : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).
القرب : الدنو والمنهي عنه هو الأكل من ثمار الشجرة. وتعليق النهى على القرب منها القصد منه المبالغة في النهى عن الأكل ، إذ في النهى عن القرب من الشيء نهى عن فعله من باب أولى. وأكد النهى بأن جعل عدم اجتناب الأكل من الشجرة ظلما. فقال : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) وقد ظلما أنفسهما إذ أكلا منها ، فقد ترتب على أكلا منها أن أخرجا من الجنة التي كانا يعيشان فيها عيشة راضية.
وقد تكلم العلماء كثيرا عن اسم هذه الشجرة ونوعها فقيل هي التينة ، وقيل هي السنبلة ، وقيل هي الكرمة ... إلخ إلا أن القرآن لم يذكر نوعها على عادته في عدم التعرض لذكر ما لم يدع المقصود من سياق القصة إلى بيانه.
وقد أحسن ابن جرير في التعبير عن هذا المعنى فقال : «والصواب في ذلك أن يقال : ان الله ـ تعالى ـ نهى آدم وزوجه عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها فأكلا منها ، ولا علم عندنا بأى شجرة كانت على التعيين ، لأن الله لم يضع لعباده دليلا على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة ، وقد قيل كانت شجرة البر ، وقيل شجرة العنب ، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه ، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به» (١)
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١ ص ٥٢١.