و (حَقِيقٌ) : صفة (رَسُولٌ) أو خبر لمبتدأ محذوف أى : أنا حقيق. أو خبر بعد خبر. و (عَلى) بمعنى الباء.
وقرأ أبىّ «حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق» وقرأ عبد الله ابن مسعود «حقيق ألا أقول». وقرأ نافع «حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق» أى : واجب وحق على أن لا أخبر عنه ـ تعالى ـ إلا بما هو حق وصدق.
ثم قال : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أى : قد جئتكم بحجة قاطعة من الله أعطانيها دليلا على صدقى فيما جئتكم به. وفي قوله (مِنْ رَبِّكُمْ) إشعار بأن ما جاء به من حجج وبراهين لم يكن من صنعه. وإنما هو من عند رب العالمين ، الذي بيده ملكوت كل شيء.
(فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أى : قد جئتكم ببينة عظيمة الشأن في الدلالة على صدقى. فأطلق بنى إسرائيل من أسرك وأعتقهم من رقك وقهرك ، ودعهم يخرجون أحرارا من تحت سلطانك ليذهبوا معى إلى دار سوى دارك.
وإلى هنا يكون موسى ـ عليهالسلام ـ قد بين لفرعون طبيعة رسالته وطالبه برفع الظلم عن المظلومين فماذا كان رد فرعون.
يحكى القرآن رده فيقول : (قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) أى : بمعجزة تشهد بصدقك من عند من أرسلك كما تدعى (فَأْتِ بِها) أى : فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك أنك من الملتزمين لقول الحق.
وعبر بإن المفيدة للشك في تحقيق مضمون الجملة الشرطية ، للإيذان بأنه ليس معتقدا في صدق موسى ـ عليهالسلام.
وهنا يحكى لنا القرآن ما أسرع بفعله موسى للرد على فرعون فقال : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) : أى فألقى موسى عصاه التي كانت بيده أمام فرعون فإذا هي ثعبان مبين ، أى : ظاهر بين لا خفاء في كونه ثعبانا حقيقيا يسعى في خفة وسرعة كأنه جان.
والثعبان : الذكر العظيم من الحيات ، وقيل : إنه الحية مطلقا.
وقد ذكر بعض المفسرين روايات عن ضخامة هذا الثعبان وأحواله ، إلا أننا أضربنا عنها صفحا لضعفها.
ثم حكى القرآن معجزة أخرى لموسى تشهد بصدقة فقال : (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) النزع : إخراج الشيء من مكانه. أى : وأخرج موسى يده من درعه بعد أن أدخلها فيه أو من طوق قميصه ، أو من إبطه فإذا هي بيضاء بياضا عجيبا خارقا للعادة من غير أن يكون