والمراد من الرؤية هنا البصرية ، ومن الآيات المعجزات الحسية كانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة.
وهذه الجملة الكريمة المقصود بها ذمهم لعدم انتفاعهم بحاسة البصر بعد ذمهم لعدم انتفاعهم بعقولهم وأسماعهم.
وجيء بكلمة (كُلَ) لعموم النفي ، أى : أنهم لا يؤمنون بأية معجزة يرونها مهما وضحت براهينها ، ومهما كانت دلالتها ظاهرة على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم.
ثم بين ـ سبحانه ـ ما كان يجرى منهم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال :
(حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
الأساطير جمع إسطارة أو أسطورة ومعناها الخرافات والترهات.
أى : حتى إذا ما صاروا إليك أيها الرسول ليخاصموك وينازعوك في دعوتك فإنهم يقولون لك بسبب كفرهم وجحودهم ، ما هذا القرآن الذي نسمعه منك إلا أقاصيص الأولين المشتملة على خرافاتهم وأوهامهم.
وفي قوله ـ تعالى ـ (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) إشارة إلى أن مجيئهم لم يكن من أجل الوصول إلى الحق ، وإنما كان من أجل المجادلة المتعنتة مع الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم لا يكتفون بمحاربة الدعوة الإسلامية ، بل هم لفجورهم ـ يحرضون غيرهم على محاربتها معهم فقال ـ تعالى ـ :
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ، وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ).
النهى : الزجر ، والنأى : البعد ، والضمير «هم» يعود على المشركين.
والمعنى : إن هؤلاء المشركين لا يكتفون بمحاربة الحق ، بل يزجرون الناس عن اتباعه ، ويبعدونهم عن الاستماع إليه. فهم قد جمعوا بين فعلين قبيحين : محاربتهم للحق وحمل غيرهم معهم على محاربته والبعد عنه.
وهم بهذا العمل الباطل القبيح ما يهلكون إلا أنفسهم ولكنهم لا يشعرون بذلك لانطماس بصيرتهم ، وقسوة قلوبهم.
وعملهم هذا يدل على أنهم كانوا معترفين في قرارة أنفسهم بأن القرآن حق ، لأنهم لو كانوا يعتقدون أنه أساطير الأولين ـ كما زعموا ـ لتركوا الناس يسمعونها ليتأكدوا من أنها خرافات وأوهام ، ولكنهم لما كانوا مؤمنين ببلاغة القرآن وصدقه ، فإنهم نهوا غيرهم عن سماعه حتى