أشرف من الطين ، فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت ، وهو محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح ، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة ، ولهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله. وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت :
«قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم» (١).
وقد حكى القرآن ما رد الله به على إبليس بقوله :
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١٣)
أى : قال الله ـ تعالى ـ لإبليس : فاهبط من الجنة بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي.
وقيل إن الضمير في (مِنْها) يعود على المنزلة التي كان فيها قبل أن يطرده الله من رحمته. أى : فاهبط من رتبة الملكية التي كنت فيها إلى رتبة العناصر الشريرة.
وقيل : إن الضمير يعود على روضة كانت على مرتفع من الأرض خلق فيها آدم ـ عليهالسلام ـ.
وقوله : (فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) معناه : فما يصح ولا يستقيم ولا يليق بشأنك أن تتكبر فيها ، لأنها ليست مكانا للمتكبرين وإنما هي مكان للمطيعين الخاشعين المتواضعين.
وقوله : (فَاخْرُجْ) تأكيد للأمر بالهبوط ومتفرع عليه.
وقوله : (إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) تعليل للأمر بالخروج. أى : فاخرج منها فأنت من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك وغرورك.
ثم حكى القرآن ما طلبه إبليس من الله ـ تعالى ـ وما أجاب الله به عليه.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٠٣ بتصرف وتلخيص.