إطلاق التطير على التشاؤم : أن العرب كانت تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو ما طار إلى الجهة اليسرى ، وتتيامن بالسانح وهو ما طار إلى الجهة اليمنى. ومنه سموا الشؤم طيرا وطائرا ، والتشاؤم تطيرا. وقد يطلق الطائر على الحظ والنصيب خيرا كان أو شرا ، ولكنه غالب في الشر.
وإنما عرف الحسنة وذكرها مع أداة التحقيق ـ وهي إذا ـ لكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بإحداثها بالذات ، لأن العناية الإلهية اقتضت سبق الرحمة وعموم النعمة قبل حصول الأعمال. ونكر السيئة وذكرها بأداة الشك ـ وهي إن ـ لندورها وعدم تعلق الإرادة بإحداثها إلا بالتبع ، فإن النقمة بمقتضى تلك العناية إنما تستحق بسبب الأعمال السيئة.
وقوله ـ تعالى ـ (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) استئناف مسوق للرد على خرافاتهم وأباطيلهم. وصدر بلفظ «ألا» الذي يفيد التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمون هذا الخبر.
أى : إنما سبب شؤمهم هو أعمالهم السيئة المكتوبة لهم عند الله ، فهي التي ساقت إليهم ما يسوءهم وليس لموسى ولا لمن معه أى تدخل في ذلك. ولكن أكثرهم يجهلون هذه الحقيقة ، فيقولون ما يقولون مما تمليه عليهم أهواؤهم وجهالاتهم.
وفي إسناد عدم العلم إلى أكثرهم ، إشعار بأن قلة منهم تعلم ذلك ، ولكنها لا تعمل بمقتضى علمها.
هذا ، وقد أفادت الآية الكريمة أن القوم لم يتأثروا لا بالرخاء ولا بالشدائد. الرخاء العظيم ، والخصب الواسع زادهم غرورا وبطرا ، والشدائد والمحن جعلتهم ينسبون أسبابها إلى غيرهم دون أن يتوبوا إلى الله من ذنوبهم. مع أن الشدائد ـ كما يقول صاحب الكشاف ـ تجعل الناس «أضرع خدودا وألين أعطافا ، وأرق أفئدة».
ثم تحكى السورة الكريمة أن آل فرعون قد لجوا في طغيانهم يعمهون فقالت : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
أى : قال الملأ من بنى إسرائيل لموسى بعد أن رأوا من حججه الدالة على صدقه : إنك يا موسى إن تجئنا بكل نوع من أنواع الآيات التي تستدل بها على حقية دعوتك لأجل أن تسحرنا بها ، أى تصرفنا بها عما نحن فيه ، فما نحن لك بمصدقين ، ولا لرسالتك بمتبعين.
ومنطقهم هذا يدل على منتهى العناد والجحود ، فهم قد صاروا في حالة نفسية لا يجدي معها دليل ولا ينفع فيها إقناع ، لأنهم قد أعلنوا الإصرار على التكذيب حتى ولو أتاهم نبيهم بألف دليل ودليل ، وهكذا شأن الجبارين الذين قست قلوبهم ، ومسخت نفوسهم وأظلمت