بل لترحمه على العباد ، وتمهيد لقوله بعد ذلك. (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) أى : أنه ـ سبحانه ـ إن يشأ إذهابكم أيها الناس بالإهلاك لفعل ذلك فهو قدير على كل شيء وعلى أن ينشئ بعد إذهابكم ما يشاء من الخلق الذين يعملون بطاعته ، ولا يكونون أمثالكم.
والكاف في قوله : (كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) في موضع نصب والمعنى : إن الله ـ تعالى ـ قادر على أن يستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافه مثل ما أنشأكم من ذرية قوم آخرين. ونظيره قوله ـ تعالى ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) وقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن أمر البعث والحساب كائن لا ريب فيه فقال : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ).
أى : «إن ما توعدون من أمر القيامة والحساب ، والعقاب والثواب لواقع لا شك فيه ، وما أنتم بمعجزين ، أى : بجاعليه عاجزا عنكم ، غير قادر على إدراككم. من أعجزه بمعنى جعله عاجزا. أو : بفائتين العذاب ، من أعجزه الأمر. إذا فاته. أى لا مهرب لكم من عذابنا بل هو مدرككم لا محالة.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن ينفض يده من هؤلاء المشركين ، وإن يتركهم لأنفسهم. وأن ينذرهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في كفرهم فقال ـ تعالى ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
أى : قل يا محمد لهؤلاء المصرين على كفرهم اعملوا على غاية تمكنكم من أمركم ، وأقصى استطاعتكم. مصدر مكن ـ ككرم ـ مكانة ، إذا تمكن أبلغ التمكن وأقواه ، أو المعنى اعملوا على جهتكم واثبتوا على كفركم وحالتكم التي أنتم عليها من قولهم. مكان ومكانة كمقام ومقامة.
قال الزمخشري : يقال للرجل إذا أمر أن يثبت على حالة : مكانك يا فلان أى : أثبت على ما أنت عليه لا تنحرف عنه.
والأمر للتهديد والوعيد ، وإظهار ما هو عليه صلىاللهعليهوسلم في غاية التصلب في الدين ، ونهاية الوثوق بأمره ، وعدم المبالاة بأعدائه أصلا.
وقوله (إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أى : إنى عامل على مكانتى ، ثابت على الإسلام لا أتزحزح عن الدعوة إليه ، فسوف تعلمون بعد حين من تكون له العاقبة الحسنى في هذه الدنيا.
وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) بجانب إفادته للإنذار ، فيه إنصاف في المقال ، وحسن أدب في