(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ).
قال القرطبي : «القرن الأمة من الناس والجمع القرون. قال الشاعر :
إذا ذهب القرن الذي كنت فيهم |
|
وخلفت في قرن فأنت غريب |
فالقرن كل عالم في عصره ، مأخوذ من الاقتران ، أى عالم مقترن بعضهم إلى بعض ، وفي الحديث الشريف : «خير الناس قرني ـ يعنى أصحابى ـ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» فالقرن على هذا مدة من الزمان ، قيل : ستون عاما ، وقيل : سبعون ، وقيل ، ثمانون ، وقيل مائة ـ وعليه أكثر أصحاب الحديث ـ أن القرن مائة سنة ، واحتجوا بأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لعبد الله ابن بشر : «تعيش قرنا» فعاش مائة (١).
والاستفهام الذي صدرت به الآية الكريمة لتوبيخ الكفار وتبكيتهم ، وإنكار ما وقع منهم من إعراض واستهزاء ، وهو داخل على فعل محذوف دل عليه سابق الكلام ولاحقه.
والتقدير : أعملوا عن الحق وأعرضوا عن دلائله ، ولم يروا بتدبر وتفكر كم أهلكنا من قبلهم من أقوام كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعا.
وجملة (أَهْلَكْنا) سدت مسد مفعول رأى إن كانت بصرية ، وسدت مسد مفعوليها إن كانت علمية ، و (كَمْ) مفعول مقدم لأهلكنا ، و (مِنْ قَبْلِهِمْ) على حذف المضاف ، أى : من قبل زمنهم ووجودهم.
قال صاحب المنار : وكان الظاهر أن يقال : مكناهم في الأرض ـ أى القرون ـ ما لم نمكنهم ، أى الكفار المحكي عنهم المستفهم عن حالهم ، فعدل عن ذلك بالالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، لما في إيراد الفعلين بضميري الغيبة من إيهام اتحاد مرجعهما ، وكون المثبت عين المنفي ، فقيل ما لم نمكن لكم (٢).
و (ما) في قوله (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) يحتمل أن تكون موصولة بمعنى الذي ، وهي حينئذ صفة لمصدر محذوف. والتقدير : مكناهم في الأرض التمكين الذي لم نمكن لكم ، والعائد محذوف : أى الذي لم نمكنه لكم. ويحتمل أن تكون نكرة موصوفة بالجملة المنفية بعدها والعائد محذوف. أى : مكناهم في الأرض شيئا لم نمكنه لكم (٣).
وفي تعدية الأول وهو (مَكَّنَّاهُمْ) بنفسه والثاني وهو (نُمَكِّنْ لَكُمْ) باللام إشارة إلى أن
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٦ ص ٣٩٠.
(٢) تفسير المنار ج ٧ ص ٣٠٧ للشيخ رشيد رضا.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٧ بتصرف وتلخيص.