قال الجمل في حاشيته على الجلالين : فإن قلت : أليس الله ـ تعالى ـ يعلم مقادير أعمال العباد ، فما الحكمة في وزنها؟ قلت فيه حكم : منها ، إظهار العدل وأن الله ـ تعالى ـ لا يظلم عباده ، ومنها : امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا وإقامة الحجة عليهم في العقبى. ومنها تعريف العباد بما لهم من خير أو شر وحسنة أو سيئة ، ومنها إظهار علامة السعادة والشقاوة ونظيره أنه ـ سبحانه ـ أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ وفي صحائف الحفظة الموكلين ببني آدم من غير جواز النسيان عليه» (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) تفصيل للأحكام المترتبة على الوزن ، وثقل الموازين المراد به رجحان الأعمال الحسنة على غيرها ، كما أن خفة الموازين المراد بها رجحان الأعمال القبيحة على ما سواها.
وقوله ـ تعالى ـ : (بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) متعلق بخسروا ؛ أى : أن خسرانهم لأنفسهم في الآخرة كان سببه جحودهم لآيات الله واستهزاءهم بها في الدنيا.
ثم حكى القرآن جانبا من مظاهر نعم الله على خلقه فقال ـ تعالى ـ :
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠) وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (١١)
مكناكم : من التمكين بمعنى التمليك ، أو معناه : جعلنا لكم فيها مكانا وقرارا وأقدرناكم على التصرف فيها ومعايش : جمع معيشة وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وما تكون به الحياة.
والمعنى : ولقد جعلنا لكم ـ يا بنى آدم ـ مكانا وقرارا في الأرض ، وأقدرناكم على التصرف فيها ، وأنشأنا لكم فيها أنواعا شتى من المطاعم والمشارب التي تتعيشون بها عيشة راضية ، ولكن كثيرا منكم لم يقابلوا هذه النعم بالشكر ، بل قابلوها بالجحود والكفران. وفضلا عن ذلك فنحن الذين خلقنا أباكم آدم من طين غير مصور ، ثم صورناه بعد ذلك.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٢٢.