فأتوه وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل» (١).
قال ابن كثير : قد روى نحو هذا عن ابن عباس والسدى وقتادة وغير واحد من علماء السلف أنه أخبر بهذا.
ثم حكت السورة الكريمة نهايتهم الأليمة ، بسبب نقضهم لعهودهم ومواثيقهم في كل مرة ، وبسبب تكذيبهم لآيات الله. وعصيانهم لنبيهم موسى ـ عليهالسلام ـ فقالت : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ ، بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أى : فانتقمنا منهم عند بلوغ الأجل المضروب لإهلاكهم. بأن أغرقناهم في اليم ـ أى البحر ـ ، وذلك بسبب تكذيبهم لآياتنا الواضحة ، وحججنا الساطعة ، وكانوا عنها غافلين بحيث لا يتدبرونها ، ولا يتفكرون فيما تحمله من عظات وعبر.
والقرآن هنا يسوق حادث إغراق فرعون وملئه بصورة مجملة ، فلا يفصل خطواته كما فصلها في مواطن أخرى ، وذلك لأن المقام هنا هو مقام الأخذ الحاسم بعد الإمهال الطويل ، فلا داعي إذن إلى طول العرض والتفصيل. إن الحسم السريع هنا أوقع في النفس ، وأرهب للحس ، وأزجر للقلب ، وأدعى إلى العظة والاعتبار ، ولأن سورة الأعراف ـ كما سبق أن بينا ـ يغلب عليها هذا الأسلوب الذي يزلزل قلوب الطغاة ، ويغرس في النفوس الرهبة والخوف وهي تقص على الناس ما أصاب الظالمين من عذاب دنيوى مضى وصار تاريخا يعلمونه ويتحدثون عنه ، وهو ما حل بالأمم السابقة التي كذبت رسلها وعتت عن أمر ربها.
ثم وهي تحكى لهم ما أعد للمستكبرين من عذاب أخروى بسبب عصيانهم وانتهاكهم لحرمات الله.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر فضله وكرمه على بنى إسرائيل بعد أن بين نهاية فرعون وآله فقال : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها).
أى : وأعطينا القوم الذين كانوا يستضعفون في مصر من فرعون وملئه بالاستعباد وقتل الأبناء ، وسوء العذاب ، أعطيناهم من طريق الاستخلاف ـ قبل أن يزيغوا ويضلوا ـ مشارق أرض الشام ومغاربها التي باركنا فيها بالخصوبة وسعة الأرزاق ، وبكونها مساكن الأنبياء والصالحين ليكون ذلك امتحانا لهم ، واختبارا لنفوسهم.
وجمع ـ سبحانه ـ بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار الاستضعاف
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٤١.