وتجدده ، والمراد بهم بنو إسرائيل ، وذكروا بعنوان القوم ، إظهارا لكمال اللطف بهم ، وعظيم الإحسان إليهم ، حيث رفعوا من حضيض المذلة إلى أوج العزة.
وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) ، أى : ونفذت كلمة الله الحسنى ومضت عليهم تامة كاملة ، حيث رزقهم ـ سبحانه ـ النصر على أعدائهم. والتمكين في الأرض بسبب صبرهم على ظلم فرعون وملئه.
قال الزمخشري : وحسبك به حاثا على الصبر. ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله إليه. ومن قابله بالصبر ، وانتظار النصر ، ضمن الله له الفرج.
وعن الحسن : عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله ـ تعالى ـ ثم تلا هذه الآية (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا ...) ومعنى «خف» طاش جزعا وقلة صبر ، ولم يرزق رزانة أولى الصبر» (١).
ثم ختمت الآية بقوله ـ تعالى ـ (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من بناء القصور الشاهقة والمنازل القوية ، وما كانوا يرفعونه من البساتين ، والصروح المشيدة ، كصرح هامان وغيره.
و (يَعْرِشُونَ) بكسر الراء وضمها ـ أى يرفعون من العرش وهو الشيء المسقف المرفوع.
قال الجمل : وقوله (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) في إعرابه أوجه :
أحدها : أن يكون فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم ، والجملة الكونية صلة والعائد محذوف. والتقدير : ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه.
والثاني : أن اسم كان ضمير عائد على ما الموصولة ، ويصنع مسند لفرعون. والجملة خبر عن كان ، والعائد محذوف ، والتقدير : ودمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون.
الثالث : أن تكون كان زائدة وما مصدرية والتقدير ودمرنا ما يصنع فرعون أى : صنعه» (٢).
وهكذا تنهى السورة الكريمة هذا الدرس بذكر ما أصاب الظالمين والغادرين من دمار وخراب ، وما أصاب المستضعفين الصابرين من خير واستخلاف في الأرض.
ثم بدأت السورة بعد ذلك مباشرة حديثا طويلا عن هؤلاء المستضعفين من بنى إسرائيل بينت فيه ألوانا من جحودهم لنعم الله ، ونسيانهم لما كانوا فيه من ذل واستعباد ، وتفضيلهم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٤٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٨٥.