الخطاب ، حيث لم يقل ـ مثلا ـ العاقبة لنا ، وإنما فوض الأمر إلى الله ، فهو كقوله ـ تعالى ـ (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) وفيه تنبيه على وثوق المنذر بأنه على الحق.
قال الجمل ـ وسوف لتأكيد مضمون الجملة ، وهذه الجملة. تعليل لما قبلها والعلم عرفان ، ومن استفهامية معلقة لفعل العلم محلها الرفع على الابتداء وخبرها جملة تكون ، وهي مع خبرها في محل نصب لسدها مسد مفعول تعلمون. أى : فسوف تعلمون أينا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله هذه الدار لها ، ويجوز أن تكون موصولة فيكون محلها النصب على أنها مفعول لتعلمون. أى : فسوف تعلمون الذي له عاقبة الدار» (١).
ثم ختمت الآية بقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أى : لن يظفروا بمطلوبهم بسبب ظلمهم ، وقيل المراد بالظلم هنا الكفر ، ووضع الظلم موضع الكفر ، إيذانا بأن امتناع الفلاح يترتب على أى فرد كان من أفراد الظلم ، فما ظنك بالكفر الذي هو أعظم أفراده.
قال ابن كثير ، وقد أنجز الله موعوده لرسوله صلىاللهعليهوسلم فمكن له في البلاد ، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد ، وفتح له مكة ، وأظهره على من كذبه من قومه ، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب. ، وكل ذلك في حياته ، ثم فتحت الأقاليم والأمصار بعد وفاته. قال ـ تعالى ـ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٢).
ثم تبدأ السورة بعد ذلك حديثا مستفيضا عن أوهام المشركين وجهالاتهم التي تتعلق بمآكلهم ، ومشاربهم ، ونذورهم ، وذبائحهم ، وعاداتهم البالية ، وتقاليدهم الموروثة ، فتناقشهم في كل ذلك مناقشة منطقية حكيمة ، وترد عليهم فيما أحلوه وحرموه بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير ، وترشدهم إلى الطريق السليم الذي من الواجب عليهم أن يسلكوه. استمع إلى سورة الأنعام وهي تحكى كل ذلك في بضع عشرة آية بأسلوبها البليغ المؤثر فتقول :
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٩٣.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٧٩.