يحذرون الناس من السير في طريقه ، ويحكى القرآن ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول : (وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ، لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ).
أى : قال الأشراف الكافرون من قوم شعيب لغيرهم : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) لشرفكم ومجدكم ، بإيثار ملته على ملة آبائكم وأجدادكم ، وخاسرون لثروتكم وربحكم المادي. لأن اتباعكم له سيحول بينكم وبين التطفيف في الكيل والميزان وهو مدار غناكم واتساع أموالكم.
وقولهم هذا يقصدون به تنفير الناس من دعوة شعيب ، وتثبيطهم عن الإيمان به ، وإغرائهم بالبقاء على عقائدهم الباطلة ، وتقاليدهم البالية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، فهم لم يكتفوا بضلالهم في أنفسهم ، بل عملوا على إضلال غيرهم. وقولهم هذا معطوف على قوله ـ تعالى ـ فيما سبق : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ*). وليس ردا على شعيب ، لأنه لو كان كذلك لجاء مفصولا بدون عطف ، وقد أكدوا قولهم بعدة مؤكدات منها اللام الموطئة للقسم ، والجملة الاسمية المصدرة بإن. وذلك لكي يخدعوا السامعين بأنهم ما يريدون إلا خيرهم وعدم خسرانهم.
وحذف متعلق الخسران ليعم كل أنواعه الدينية والدنيوية.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أين جواب القسم الذي وطأته اللام في قوله : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ) وجواب الشرط؟ قلت : قوله : (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) ساد مسد الجوابين» (١).
وبعد هذه المحاورات والمجادلات التي دارت بين شعيب وقومه ، جاءت الخاتمة التي حكاها القرآن في قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ). أى : فأخذتهم الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم هامدين صرعى لا حراك بهم.
قال ابن كثير ما ملخصه : أخبر ـ سبحانه ـ هنا بأنهم أخذتهم الرجفة ، كما أرجفوا شعيبا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء ، كما أخبر عنهم في سورة هود بأنهم أخذتهم الصيحة ، والمناسبة هناك ـ والله أعلم ـ أنهم لما تهكموا به في قولهم : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ) فجاءت الصيحة فأسكتتهم. وقال في سورة الشعراء : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) فأخبر ـ سبحانه ـ أنهم أصابهم عذاب يوم الظلة ، وقد اجتمع عليهم ذلك كله ، أصابهم عذاب يوم الظلة. وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٣١.