أى : أكذبوا ولم يتفكروا في شأن رسولهم صلىاللهعليهوسلم وما هو عليه من كمال العقل ، ولم ينظروا نظر تأمل واعتبار واستدلال في ملكوت السموات من الشمس والقمر والنجوم وغيرها ، وفي ملكوت الأرض من البحار والجبال والدواب وغيرها ، ولم ينظروا كذلك فيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشيء من أجناس لا يحصرها العدد ولا يحيط بها الوصف مما يشهد بأن لهذا الكون خالقا قادرا هو المستحق وحده للعبادة والخضوع.
وقوله (مِنْ شَيْءٍ) بيان «لما» وفي ذلك تنبيه على أن الدلالة على التوحيد غير مقصورة على السموات والأرض ، بل كل ذرة من ذرات العالم دليل على توحيده.
وقوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) في محل جر معطوف على ما قبله ، و (أَنْ) مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ، وخبرها عسى مع فاعلها الذي هو (أَنْ يَكُونَ).
والمعنى : أو لم ينظروا ـ أيضا ـ في اقتراب آجالهم ، وتوقع حلولها فيسارعوا إلى طلب الحق والتوجه إلى ما ينجيهم قبل مفاجأة الموت لهم ونزول العذاب بهم وهم في أتعس حال.
إنهم لو تفكروا في أمر رسولهم صلىاللهعليهوسلم ولو نظروا فيما خلق الله من مخلوقات بعين التدبر والاتعاظ ، لآمنوا وهدوا إلى صراط العزيز الحميد.
وقوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) أى : إذا لم يؤمنوا بالقرآن وهو أكمل كتب الله بيانا ، وأقواها برهانا ، فبأى كلام بعده يؤمنون؟.
والجملة الكريمة مسوقة للتعجب من أحوالهم. ولقطع أى أمل في إيمانهم لأنهم ما داموا لم يؤمنوا بهذا الرسول المؤيد بالمعجزات ، وبهذا الكلام المعجز الجامع لكل ما يفيد الهداية ، فأحرى بهم ألا يؤمنوا بغير ذلك.
ثم عقب القرآن على هذا التوبيخ والتهديد للمشركين بقوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ، وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
أى : من يرد الله إضلاله بسبب اختياره للضلالة ، وصممه عن الاستماع للحق فلا قدرة لأحد على هدايته ، وهو ـ سبحانه ـ يترك هؤلاء الضالين في طغيانهم متحيرين مترددين.
ثم بينت السورة الكريمة أن أمر الساعة مرده إلى الله ـ تعالى ـ ، وأن السائلين عن وقتها من الأحسن لهم أن يستعدوا لها بدل أن يكثروا من السؤال عن زمن مجيئها فقالت :