التخليط والتلبيس. ثم سلى الله تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم وهدد أعداءه فقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ).
أى : ولو شاء الله ألا يفعل الشركاء ذلك التزيين أو المشركون ذلك القتل لما فعلوه ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يعجزه شيء ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات بسبب ما يفعلونه ، بل دعهم وما يفترونه من الكذب ، فإنهم لسوء استعدادهم آثروا الضلالة على الهداية.
والفاء في قوله (فَذَرْهُمْ) فصيحة أى : إذا كان ما قصصناه عليك بمشيئة الله ، فدعهم وافتراءهم ولا تبال بهم ، فإن فيما يشاؤه الله حكما بالغة.
ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة ، وهي أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها ، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة.
استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ).
حجر : بمعنى المحجور أى : الممنوع من التصرف فيه ، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإنسان في منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام.
أى : ومن بين أوهام المشركين وضلالاتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون : هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى : محرمة ممنوعة ، لا يأكل منها إلا من نشاء ، يعنون : خدم الأوثان والرجال دون النساء أى : لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط.
وقوله : (بِزَعْمِهِمْ) متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا. أى : قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة.
وقوله : (وَقالُوا هذِهِ) الإشارة إلى ما جعلوه لآلهتم ، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله : (أَنْعامٌ وَحَرْثٌ) وقوله (حِجْرٌ) صفة لأنعام وحرث ، وقوله (لا يَطْعَمُها) صفة ثانية لأنعام وحرث.
هذا هو النوع الأول الذي ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم.
أما النوع الثاني فهو قوله ـ تعالى ـ (وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) أى : وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم : هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها ، يعنون بها