مشاعرهم ، حين يدمغهم الحق ، ويطاردهم الدليل الساطع بنوره الواضح ، إنهم تأخذهم العزة بالإثم فيأبون أى لون من ألوان التفكير والتدبر.
قال الجمل : و (مَهْما) اسم شرط جازم ـ يدل على العموم ـ ، و (مِنْ آيَةٍ) بيان له ، والضميران في «به» و «بها» راجعان لمهما الأول مراعاة للفظها لإبهامه ، والثاني مراعاة لمعناها» (١).
وسموا ما جاء به موسى ـ عليهالسلام ـ آية من باب المجاراة له والاستهزاء بها حيث زعموا أنها نوع من السحر كما ينبئ عنه قولهم (لِتَسْحَرَنا بِها).
ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ، وَالْجَرادَ ، وَالْقُمَّلَ ، وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ ، آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ).
أى : فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان.
قال الآلوسى : أى : ما طاف بهم ، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل ، فهو اسم جنس من الطواف. وقد اشتهر في طوفان الماء ، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت ، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به» (٢).
وأرسلنا عليهم (الْجَرادَ) فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم ، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة.
وأرسلنا عليهم (الْقُمَّلَ) وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية ، وقيل : هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم.
وأرسلنا عليهم (الضَّفادِعَ) فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم.
وأرسلنا عليهم (الدَّمَ) فصارت مياه الأنهار مختلطة به ، فمات السمك فيها ، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم.
تلك هي النقم التي أنزلها الله ـ تعالى ـ على هؤلاء المجرمين ، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم ، وتكذيبهم لنبيهم ـ عليهالسلام ـ.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٨١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ٢٣.