ثم حكى القرآن ما توعد الله به الشيطان واتباعه فقال : (قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً) أى : اخرج من الجنة أو من تلك الروضة مهانا محقرا.
يقال : ذأمه يذأمه ذأما إذا عاقبه وحقره فهو مذءوم ، وقوله : (مَدْحُوراً) أى : مطرودا مبعدا. يقال : دحره دحرا ودحورا طرده وأبعده.
(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) أى : لمن أطاعك من الجن والإنس لأملأن جهنم من كفاركم. كقوله ـ تعالى ـ : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً).
واللام في قوله : (لَمَنْ) لتوطئة القسم والجواب (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) ثم حكى القرآن ما أمر الله ـ تعالى ـ به آدم فقال :
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٩)
صدر الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بالمأمور به ، وتخصيص الخطاب بآدم ـ عليهالسلام ـ للإيذان بأصالته بالتلقى وتعاطى المأمور به.
وقوله : (اسْكُنْ) من السكنى وهو اللبث والإقامة والاستقرار ، دون السكون الذي هو ضد الحركة.
والزوج. يطلق على الرجل والمرأة. والمراد به هنا حواء ، حيث تقول العرب للمرأة زوج ولا تكاد تقول زوجة.
والجنة. هي كل بستان ذي شجر متكاثف ملتف الأغصان ، يظلل ما تحته ويستره من الجن وهو ستر الشيء عن الحواس.
وجمهور أهل السنة على أن المراد بها هنا دار الثواب التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة ، لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.
ويرى جمهور علماء المعتزلة أن المراد بها هنا بستان بمكان مرتفع من الأرض ، خلقه الله لإسكان آدم وزوجته. واختلفوا في مكانه ، فقيل انه بفلسطين ، وقيل بغيرها.
وقد ساق ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح» أدلة الفريقين دون أن يرجح شيئا منها.
والذي نراه أن الأحوط والأسلم. الكف عن تعيينها وعن القطع به ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو منصور الماتريدى في التأويلات ، إذ ليس لهذه المسألة تأثير في العقيدة.