فكانوا مجبورين عليها ، يدل على هذا تعليلها على طريق الاستئناف البياني بقوله : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ومعنى اتخاذهم الشياطين أولياء ، أنهم أطاعوهم في كل ما يزينونه لهم من الفواحش والمنكرات ، ويحسبون أنهم مهتدون فيما تلقنهم الشياطين إياه من الشبهات (١)».
ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء ثالثا إلى بنى آدم أمرهم فيه بالتمتع بالحلال ، وبزينة الله التي أخرجها لعباده بدون إسراف أو تبذير فقال ـ تعالى ـ :
(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٣١)
والمعنى : عليكم يا بنى آدم أن تتجملوا بما يستر عورتكم ، وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلما صليتم أو طفتم ، واحذروا أن تطوفوا بالبيت الحرام وأنتم عرايا.
قال القرطبي : «يا بنى آدم هو خطاب لجميع العالم ، وإن كان المقصود بها من كان يطوف من العرب بالبيت عريانا ، فإنه عام في كل مسجد للصلاة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٢)».
وقال ابن عباس : «كان بعض العرب يطوفون بالبيت عراة ، الرجال بالنهار ، والنساء بالليل. يقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها». فأنزل الله ـ تعالى ـ : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣).
ثم أمرهم ـ سبحانه ـ أن يتمتعوا بالطيبات بدون إسراف أو تقتير فقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
أى : كلوا من المآكل الطيبة ، واشربوا المشارب الحلال ولا تسرفوا لا في زينتكم ولا في مأكلكم أو مشربكم. لأنه ـ سبحانه ـ يكره المسرفين.
قال الإمام ابن كثير : «قال بعض السلف : جمع الله الطب في نصف آية في قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) «وقال البخاري : قال ابن عباس : «كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخيلة» (٤).
__________________
(١) تفسير المنار ج ٨ ص ١٧٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ٧ ص ١٧٩.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٨ ص ١٢٥.
(٤) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢١.