أى : والله ليجمعنكم ، وجملة القسم والجواب لا محل لها من الإعراب ، وإن تعلقت بما قبلها من حيث المعنى وعلى هذا الرأى يكون الكلام قد تم عند قوله ـ تعالى ـ (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ).
ويرى الزجاج ومن شايعه أن جملة (ليجمعنكم) في محل نصب بدل من الرحمة ، وفسر (ليجمعنكم) بمعنى أمهلكم وأمد لكم في العمر والرزق مع كفركم ، فهو تفسير الرحمة ، كما قال ـ تعالى ـ في السورة نفسها (كتب على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) (١).
والمقصود بهذه الجملة الكريمة (ليجمعنكم) بيان عدل الله بين عباده. فهو لم يجمعهم يوم القيامة لتعذيبهم جميعا ، وإنما يجمعهم لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء.
ولما كان الكافرون ينكرون حصول البعث والحساب فقد أكد الله ـ تعالى ـ حصولهما باللام وبنون التوكيد الثقيلة ، وبتعدية الفعل بإلى دون في للإشارة إلى أن هذا الجمع نهايته يوم القيامة ـ وبأنه يوم لا ينبغي لأحد أن يرتاب فيه لوضوح أدلته.
ثم ختمت الآية الكريمة ببيان عاقبتهم السيئة فقال ـ تعالى ـ (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ). أى : الذين خسروا أنفسهم بانطماس فطرتهم ، وإصرارهم على العناد والجمود ، لا يتسرب الإيمان إلى قلوبهم لأنها قست وأظلمت.
قال الآلوسى : (الفاء) في قوله (فهم لا يؤمنون) ـ للدلالة على أن عدم إيمانهم وإصرارهم على الكفر مسبب عن خسرانهم ، فإن إبطال العقل والانهماك في التقليد أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع عن الإيمان) (٢).
ثم ساق ـ سبحانه ـ ما يشهد بشمول علمه وقدرته فقال : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
قال القرطبي : (سكن معناه هدأ واستقر ، والمراد ما سكن وما تحرك ، فحذف لعلم السامع ، وقيل : خص الساكن بالذكر لأن ما يعمه السكون أكثر مما تعمه الحركة ، وقيل : المعنى ، ما خلق ، فهو عام في جميع المخلوقات متحركها وساكنها ، فإنه يجرى عليه الليل والنهار ، وعلى هذا فليس المراد بالسكون ضد الحركة بل المراد الخلق وهذا أحسن ما قيل لأنه يجمع شتات الأقوال) (٣).
__________________
(١) حاشية الجمل ج ٣ ص ٩.
(٢) تفسير روح المعاني للألوسى ج ٧ ص ١٢٢.
(٣) تفسير القرطبي ج ٦ ص ١٩١.