فهم يجعلون قسم الأصنام لسدنتها وأتباعها وحدهم ، بينما القسم الذي جعلوه لله بزعمهم ينتقصونه ويضعون الكثير منه في غير موضعه ، ويقولون : إن الله غنى وإن آلهتنا محتاجة.
وقد عقب القرآن على هذه القسمة الجائرة بقوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أى : ساء وقبح حكمهم وقسمتهم حيث آثروا مخلوقا عاجزا عن كل شيء ، على خالق قادر على كل شيء ، فهم بجانب عملهم الفاسد من أساسه لم يعدلوا في القسمة.
هذه هي الرذيلة الأولى من رذائلهم ، أما الرذيلة الثانية فهي أن كثيرا منهم كانوا يقتلون أولادهم ، ويئدون بناتهم لأسباب لا تمت إلى العقل السليم بصلة وقد حكى القرآن ذلك في قوله.
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ).
أى : ومثل ذلك التزيين في قسمة الزروع والأنعام بين الله والأوثان ، زين للمشركين شركاؤهم من الشياطين أو السدنة قتل بناتهم خشية العار أو الفقر فأطاعوهم فيما أمروهم به من المعاصي والآثام.
والتزيين : التحسين ، فمعنى تزيينهم لهم أنهم حسنوا لهم هذه الأفعال القبيحة ، وحضوهم على فعلها.
سموا شركاء لأنهم أطاعوهم فيما امروهم به من قتل الأولاد ، فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم ، أو سموا شركاء لأنهم كانوا يشاركون الكفار في أموالهم التي منها الحرث والأنعام.
و (شُرَكاؤُهُمْ) فاعل (زَيَّنَ) وأخر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدم واهتماما به ، لأنه موضع التعجب.
وقوله : (لِيُرْدُوهُمْ) أى ليهلكوهم ؛ من الردى وهو الهلاك. يقال ردى ـ كرضى ـ أى : هلك.
وقوله : (وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) معطوف على ليردوهم ، أى : ليخلطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل ـ عليهالسلام ـ حتى زالوا عنه إلى الشرك.
ويلبسوا مأخوذ من اللبس بمعنى الخلط بين الأشياء التي يشبه بعضها بعضا وأصله الستر بالثوب ، ومنه اللباس ، ويستعمل في المعاني فيقال : لبس الحق بالباطل يلبسه ستره به. ولبست عليه الأمر. خلطته عليه وجعلته مشتبها حتى لا يعرف جهته ، فأنت ترى أن شركاءهم قد حسنوا لهم القبيح من أجل أمرين : إهلاكهم وإدخال الشبهة عليهم في دينهم عن طريق