الله ـ تعالى ـ ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها لم يسبقهم بها أحد من بنى آدم ولا من غيرهم ، وهو إتيان الذكور دون الإناث ، وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه ولا يخطر ببالهم «حتى صنع ذلك أهل سدوم ـ وهي قرية بوادي الأردن ـ عليهم لعائن الله (١)».
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلُوطاً) منصوب بفعل مضمر معطوف على ما سبق أى : وأرسلنا لوطا و (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) ظرف لأرسلنا ، وجوز أن يكون (لُوطاً) منصوبا باذكر محذوفا فيكون من عطف القصة على القصة ، و (إِذْ) بدل من لوط بدل اشتمال بناء على أنها لا تلزم الظرفية.
وقوله : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ).
أى : أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت نهاية القبح والفحش ، والتي ما فعلها أحد قبلكم في زمن من الأزمان فأنتم أول من ابتدعها فعليكم وزرها ووزر من عملها إلى يوم القيامة ، والاستفهام ، للإنكار والتوبيخ قال عمر بن دينار : «ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط».
وقال الوليد بن عبد الملك : «لو لا أن الله قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا» والباء في (بِها) كما قال الزمخشري ـ للتعدية ، من قولك سبقته بالكرة إذا ضربتها قبله ومن قوله صلىاللهعليهوسلم : «سبقك بها عكاشة» و (مِنْ) في قوله : (مِنْ أَحَدٍ) لتأكيد النفي وعمومه المستغرق لكل البشر.
والجملة ـ كما قال أبو السعود ـ مستأنفة مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ والتقريع ، فإن مباشرة القبح قبيح واختراعه أقبح ، فأنكر عليهم أولا إتيان الفاحشة ، ثم وبخهم بأنهم أول من عملها».
ثم أضاف لوط إلى إنكاره على قومه إنكارا آخر وتوبيخا أشنع فقال : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ).
أى : إنكم أيها القوم لممسوخون في طبائعكم حيث تأتون الرجال الذين خلقهم الله ليأتوا النساء ، ولا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة الخبيثة القذرة.
والإتيان : كناية عن الاستمتاع والجماع. من أتى المرأة إذا غشيها.
وفي إيراد لفظ (الرِّجالَ) دون الغلمان والمردان ونحوهما ، مبالغة في التوبيخ والتقريع.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٣٠.