قال صاحب الكشاف : و (شَهْوَةً) مفعول له ، أى للاشتهاء ولا حامل لكم عليه إلا مجرد الشهوة من غير داع آخر. ولا ذم أعظم منه ، لأنه وصف لهم بالبهيمية ، وأنه لا داعي لهم من جهة العقل البتة كطلب النسل ونحوه. أو حال بمعنى مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين إلى السماحة» (١).
وقوله : (مِنْ دُونِ النِّساءِ) حال من الرجال أو من الواو في تأتون ، أى : تأتون الرجال حالة كونكم تاركين النساء اللائي هن موضع الاشتهاء عند ذوى الطبائع السليمة ، والأخلاق المستقيمة.
قال الجمل : وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث ، لأن الله ـ تعالى ـ خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا ، وجعل النساء محلا للشهوة وموضعا للنسل. فإذا تركهن الإنسان وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال فقد أسرف وجاوز واعتدى ، لأنه وضع الشيء في غير محله وموضعه الذي خلق له ، لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة للإنسان» (٢).
وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) إضراب عن الإنكار إلى الاخبار عن الأسباب التي جعلتهم يرتكبون هذه القبائح ، وهي أنهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحدود في كل شيء.
أى : أنتم أيها القوم لستم ممن يأتى الفاحشة مرة ثم يهجرها ويتوب إلى الله بل أنتم قوم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم ، لا تقفون عند حد الاعتدال في عمل من الأعمال.
وقد حكى القرآن أن لوطا ـ عليهالسلام ـ قال لهم في سورة العنكبوت : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ ، وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ).
وقال لهم في سورة النمل : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أى : متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة.
وقال لهم في سورة النمل : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم ، والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش.
ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل ، وانحطاط الخلق ، وإيثار الغي والعدوان على الرشاد والتدبر.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٢٥.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٦٢.