لشركائهم. فأولى بكم ثم أولى أن تضحوا في سبيل عقيدتكم الصحيحة ، وملتكم الحنيفة السمحاء بالأنفس والأموال.
هذا وقد عقب القرآن بعد إيراده لتلك الرذائل بقوله.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ).
قال الإمام ابن كثير : قد خسر الذين فعلوا هذه الأفاعيل في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فخسروا أولادهم بقتلهم ، وضيقوا على أنفسهم في أموالهم ، فحرموا أشياء ابتدعوها من تلقاء أنفسهم. وأما في الآخرة فيصيرون إلى أسوأ المنازل بكذبهم على الله وافترائهم» (١).
والتعبير بخسر بدون ذكر مفعول معين يقع عليه الفعل للإشارة إلى أن خسارتهم خسارة مطلقة من أى تحديد ، فهي خسارة دينية وخسارة دنيوية ـ كما قال ابن كثير.
وقرأ ابن عامر قتلوا بالتشديد. أى : فعلوا ذلك كثيرا ، إذ التضعيف يفيد التكثير.
و (سَفَهاً) منصوب على أنه علة لقتلوا أى : لخفة عقولهم وجهلهم قتلوا أولادهم. أو منصوب على أنه حال من الفاعل في قتلوا وهو ضمير الجماعة.
والسفه : خفة في النفس لنقصان العقل في أمور الدنيا أو الدين.
وقوله (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) أى من البحائر والسوائب ونحوهما ، وهو معطوف على (قَتَلُوا).
ثم بين ـ سبحانه ـ نتيجة ذلك القتل والتحريم فقال : (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أى : قد ضلوا عن الصراط المستقيم بأقوالهم وأفعالهم القبيحة وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب.
قال الشهاب ، وفي قوله (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) بعد قوله (قَدْ ضَلُّوا) مبالغة في نفى الهداية عنهم ، لأن صيغة الفعل تقتضي حدوث الضلال بعد أن لم يكن. فلذا أردف بهذه الحال لبيان عراقتهم في الضلال ، وإنما ضلالهم الحادث ظلمات بعضها فوق بعض» (٢).
روى البخاري عن ابن عباس قال : إذا سرك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٣).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٨١.
(٢) تفسير القاسمى ج ٦ ص ٢٥٢٤.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٨١.