أحدها : أن التاء قيد للمبالغة في الوصف كراوية وداهية فلا يقال إنه غير مطابق للمبتدأ على القول بأنه خبر.
وثانيا : أن المبتدأ وهو (ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، لأن المراد به الأجنة فيجوز تذكير خبره باعتبار اللفظ وتأنيثه باعتبار المعنى.
وثالثها : أنه مصدر فتكون العبارة مثل قولهم : عطاؤك عافية والمطر رحمة والرخصة نعمة.
ورابعها : أنه مصدر مؤكد أو حال من المستكن في الظرف وخبر المبتدأ (لِذُكُورِنا) (١).
وقوله : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) تهديد لهم أى : سيجزيهم بما هم أهله من العذاب المهين جزاء وصفهم أو بسبب وصفهم الكذب على الله في أمر التحليل والتحريم على سبيل التحكم والتهجم بالباطل على شرعه. إنه ـ سبحانه ـ حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه ، عليم بأعمال عباده من خير أو شر وسيجازيهم عليها.
قال الآلوسى : ونصب (وَصْفَهُمْ) ـ على ما ذهب إليه الزجاج ـ لوقوعه موقع مصدر (سَيَجْزِيهِمْ) فالكلام على تقدير مضاف. أى : جزاء وصفهم. وقيل : التقدير. سيجزيهم العقاب بوصفهم أى : بسببه فلما سقطت الباء نصب وصفهم.
ثم قال : وهذا كما قال بعض المحققين من بليغ الكلام وبديعه ، فإنهم يقولون ، كلامه يصف الكذب إذا كذب ، وعينه تصف السحر ، أى ساحرة ، وقد يصف الرشاقة ، بمعنى رشيق. مبالغة ، حتى كأن من سمعه أو رآه وصف له ذلك بما يشرحه له» (٢).
وإلى هنا تكون الآيات الأربعة التي بدأت بقوله ـ تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) .. إلخ. قد قصت علينا أربع رذائل من أفعال المشركين وأقوالهم.
وإن العاقل ليعجب وهو يستعرض هذه الضلالات ـ التي حكتها الآيات. يعجب لما تحملوه في سبيل ضلالاتهم من أعباء مادية وخسائر وتضحيات ، يعجب للعقيدة الفاسدة وكيف تكلف أصحابها الكثير ومع ذلك فهم مصرون على اعتناقها ، وعلى التقيد بأغلالها ، وأوهامها ، وتبعاتها.
لكأن القرآن وهو يحكى تلك الرذائل وما تحمله أصحابها في سبيلها يقول لأتباعه ـ من بين ما يقول ـ إذا كان أصحاب العقائد الفاسدة قد ضحوا حتى بفلذات أكبادهم إرضاء
__________________
(١) تفسير المنار ج ٨ ص ١٢٩.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ٢٦.