ويرى بعض آخر من العلماء أن المراد بهذا الحق ما فصلته السنة النبوية من الزكاة المفروضة وهذه الآية مدنية وإن كانت السورة مكية.
ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح ، لأنه لا دليل على أن هذه الآية مدنية ولأن فرضية الزكاة لا تمنع إعطاء الصدقات ، وفي الأمر بإيتاء هذا الحق يوم الحصاد ، مبالغة في العزم على المبادرة إليه.
والمعنى : اعزموا على إيتاء هذا الحق واقصدوه ، واهتموا به يوم الحصاد حتى لا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء.
وقيل : إنما ذكر وقت الحصاد تخفيفا على أصحاب الزروع حتى لا يحسب عليهم ما أكل قبله.
ثم ختمت الآية بالنهى عن الإسراف فقالت : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). أى لا تسرفوا في أكلكم قبل الحصاد ولا في صدقاتكم ولا في أى شأن من شئونكم ، لأنه ـ سبحانه ـ لا يحب المسرفين.
وقال ابن جريج ، نزلت في ثابت بن قيس ، قطع نخلا له فقال. لا يأتينى اليوم أحد إلا أطعمته ، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة ، فنزلت هذه الآية.
وقال عطاء ، نهوا عن السرف في كل شيء.
وقال إياس بن معاوية ، ما جاوزت به أمر الله فهو سرف.
ثم بين ـ سبحانه ـ حال الأنعام. وأبطل ما تقولوه عليه في شأنها بالتحريم والتحليل فقال. (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً).
الحمولة ، هي الأنعام الكبار الصالحة للحمل. والفرش هي صغارها الدانية من الأرض ، مثل الفرش المفروش عليها.
وقيل الحمولة كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار. والفرش ما اتخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفرش.
أى : وأنشأ لكم ـ سبحانه ـ من الأنعام حمولة وهي ما تحملون عليه أثقالكم ، كما أنشأ لكم منها فرشا وهي صغارها التي تفرش للذبائح من الضأن والمعز والإبل والبقر.
والجملة معطوفة على جنات. والجهة الجامعة بينهما إباحة الانتفاع بهما.
وقوله (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
أى : كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار والزروع والأنعام وغيرها ، وانتفعوا منها بسائر أنواع