رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٢٨) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٢٩) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (١٣٠)
أى : أن هؤلاء المتذكرين المتقين لهم جنة عرضها السموات والأرض في جوار ربهم وكفالته ، وهو ـ سبحانه ـ (وَلِيُّهُمْ) أى : متولى إيصال الخير إليهم ، أو محبهم أو ناصرهم بسبب أعمالهم الصالحة. وسميت الجنة بدار السلام ، لأن جميع حالاتها مقرونة بالسلامة من جميع المكاره.
قال الجمل : وقوله (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في المراد بهذه العندية وجوه :
أحدها : أنها معدة عنده كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة كقوله (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
وثانيها : أن هذه العندية تشعر بأن هذا الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله بالشرف والرتبة لا بالمكان والجهة لتنزهه ـ تعالى ـ عنهما.
وثالثها : هي كقوله ـ تعالى ـ في صفة الملائكة (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ). وقوله : أنا عند المنكسر قلوبهم وأنا عند ظن عبدى بي» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من أحوال الظالمين يوم القيامة عند ما يقفون أمام ربهم للحساب فقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ).
ففي هذه الآيات عرض مؤثر زاخر بالحوار والاعتراف والمناقشة والحكم تحكيه السورة الكريمة وهي تصور مشاهد المجرمين يوم القيامة.
وقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٩٠.