الانتفاع المشروعة ، ولا تتبعوا وساوس الشيطان وطرقه في التحريم والتحليل كما اتبعها أهل الجاهلية ، إذ حرموا ما رزقهم الله افتراء عليه ، إن الشيطان عداوته ، ظاهرة واضحة لكم ، فهو يمنعكم مما يحفظ روحكم ، ويطهر قلوبكم ، فالجملة الكريمة (إِنَّهُ لَكُمْ) تعليل للنهى عن اتباع خطوات الشيطان.
ثم بين القرآن بعد ذلك بعض ما كان عليه الجاهليون من جهالات ، وناقشهم فيما أحلوه وحرموه مناقشة منطقية حكيمة فقال :
(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ).
وقوله ـ سبحانه ـ (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من (حَمُولَةً وَفَرْشاً) بناء على كونهما قسمين لجميع الأنعام على الراجح ، وقيل أن لفظ ثمانية منصوب بفعل مضمر أى : وأنشأ لكم ثمانية أزواج ، أو هو مفعول به لفعل (كُلُوا) وقوله (وَلا تَتَّبِعُوا) ... إلخ» معترض بينهما.
والزوج يطلق على المفرد إذا كان معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل ، وكذا يطلق على الاثنين فهو مشترك والمراد هنا الإطلاق الأول.
والمعنى : ثمانية أصناف خلقها الله لكم ، لتنتفعوا بها أكلا وركوبا وحملا وحلبا وغير ذلك.
ثم فصل الله ـ تعالى ـ هذه الأزواج الثمانية فقال : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) أى. من الضأن زوجين اثنين هما الكبش والنعجة ، (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) أى. ومن المعز زوجين اثنين هما التيس والعنز.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يبكتهم على جهلهم فقال (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ).
أى : قل لهم يا محمد على سبيل التوبيخ وإلزامهم الحجة. أحرم الله الذكرين وحدهما من الضأن والمعز أم الأنثيين وحدهما ، أم الأجنة التي اشتملت عليها أرحام إناث الزوجين كليهما سواء أكانت تلك الأجنة ذكورا أم إناثا؟
وقوله : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أى : أخبرونى بأمر معلوم من جهته ـ تعالى ـ جاءت به الأنبياء ، يدل على أنه ـ سبحانه ـ قد حرم شيئا مما حرمتموه إن كنتم صادقين في دعوى التحريم.
والأمر هنا للتعجيز لأنهم لا دليل عندهم من العقل أو النقل على صحة تحريمهم لبعض الأنعام دون بعض.
وقوله ـ تعالى ـ (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) عطف على قوله (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) أى : وأنشأ لكم