ذلك لتبرئته صلىاللهعليهوسلم من النسيان. وقال آخرون إن الخطاب له صلىاللهعليهوسلم والنسيان جائز عليه فقد قال صلىاللهعليهوسلم مخبرا عن نفسه : «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني» فأضاف النسيان إليه. واختلفوا بعد جواز النسيان عليه هل يكون فيما طريقه البلاغ من الأفعال وأحكام الشرع أولا؟ فذهب إلى الأول ـ فيما ذكره القاضي عياض ـ عامة العلماء والأئمة كما هو ظاهر القرآن والأحاديث ، لكن اشترط الأئمة أن الله ـ تعالى ـ ينبهه على ذلك ولا يقره عليه. ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات الشرعية كما منعوه اتفاقا في الأقوال البلاغية» (١).
قال الآلوسى : «وأنا أرى أن محل الخلاف النسيان الذي لا يكون منشؤه اشتغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية فإن ذلك مما لا يرتاب مؤمن في استحالته على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم» (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه لا تبعة على المؤمنين ما داموا قد أعرضوا عن مجلس الخائضين فقال ـ تعالى ـ (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
أى : وما على الذين يتقون الله شيء من حساب الخائضين على ما ارتكبوا من جرائم وآثام ما داموا قد أعرضوا عنهم ، ولكن عليهم أن يعرضوا عنهم ويذكروهم ويمنعوهم عما هم فيه من القبائح بما أمكن من العظة والتذكير لعل أولئك الخائضين يجتنبون ذلك ، ويتقون الله في أقوالهم وأفعالهم.
وعليه يكون الضمير في قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يعود على الخائضين.
وقيل يجوز أن يكون الضمير في قوله : (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) للذين اتقوا أى : عليهم أى يذكروا أولئك الخائضين ، لأن هذا التذكير يجعل المتقين يزدادون إيمانا على إيمانهم ، ويثبتون على تقواهم.
روى البغوي عن ابن عباس قال : لما نزلت : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) .. إلخ قال المسلمون : كيف نقعد في المسجد الحرام ونطوف بالبيت وهم يخوضون أبدا؟ فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يعنى إذا قمتم عنهم فما عليكم تبعة ما يقولون ، وما عليكم نصيب من إثم ذلك الخوض.
قال الجمل : قوله (ولكن ذكرى) فيه أربعة أوجه :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ١٤.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ١٨٣.