هذا وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أحكاما من أهمها ما يأتى :
١ ـ وجوب الإعراض عن مجالسة المستهزئين بآيات الله أو برسله ، وأن لا يقعد لأن في القعود إظهار عدم الكراهة ، وذلك لأن التكليف عام لنا ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال القرطبي : من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجرته ، مؤمنا كان أو كافرا ، وقد منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم وبيعهم ، وكذلك منعوا مجالسة الكفار وأهل البدع. فقد قال بعض أهل البدع لأبى عمران النخعي : اسمع منى كلمة فأعرض عنه وقال : ولا نصف كلمة.
وروى الحاكم عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من وقر صاحب بدعة فقد أعانه على هدم الإسلام» (١).
وقال صاحب المنار : وسبب هذا النهى أن الإقبال على الخائضين والقعود معهم أقل ما فيه أنه إقرار لهم على خوضهم وإغراء لهم بالتمادى فيه وأكبره أنه رضاء به ومشاركة فيه والمشاركة في الكفر والاستهزاء كفر ظاهر لا يقترفه باختياره إلا منافق مراء أو كافر مجاهر قال ـ تعالى ـ (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (٢).
٢ ـ جواز مجالسة الكفار مع عدم الخوض. لأنه إنما أمرنا بالإعراض في حالة الخوض ، وأيضا فقد قال ـ تعالى ـ (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ).
قال بعض العلماء : «وحتى غاية الإعراض ، لأنه إعراض فيه توقيف دعوتهم زمانا أو جبته رعاية المصلحة ، فإذا زال موجب ذلك عادت محاولة هدايتهم وإرشادهم إلى أصلها لأنها تمحضت للمصلحة» (٣).
٣ ـ استدل بهذه الآية على أن الناسي غير مكلف ، وأنه إذا ذكر عاد إليه التكليف فيعفى عما ارتكبه حال نسيانه ففي الحديث الشريف «إن الله رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». رواه الطبراني عن ثوبان مرفوعا وإسناده صحيح.
٤ ـ قال القرطبي : قال بعضهم إن الخطاب في الآية للنبي صلىاللهعليهوسلم والمقصود أمته ، ذهبوا إلى
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ١٣.
(٢) تفسير المنار ج ٧ ص ٥٠٦.
(٣) تفسير التحرير والتنوير ج ٧ ص ٢٨٨ للشيخ الفاضل بن عاشور.