أيها الناس تفضلون هذه الأصنام بما منحكم الله ـ تعالى ـ من حواس السمع والبصر وغيرها فكيف يعبد الفاضل المفضول ، وكيف ينقاد الأقوى للأضعف؟.
ثم أمر الله ـ تعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يناصبهم الحجة وان يكرر عليهم التوبيخ فقال : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) أى : قل أيها الرسول الكريم لهؤلاء الذين هبطوا بعقولهم إلى أحط المستويات نادوا شركاءكم الذين زعمتموهم أولياء ثم تعاونوا أنتم وهم على كيدي وإلحاق الضر بي من غير انتظار أو إمهال ، فإنى أنا معتز بالله ، وملتجئ إلى حماه ومن كان كذلك فلن يخشى شيئا من المخلوقين جميعا.
وهذا نهاية التحدي من جانب الرسول صلىاللهعليهوسلم لهم والحط من شأنهم وشأن آلهتهم.
ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى تحديهم وتبكيتهم فقال (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ).
أى : قل يا محمد لهؤلاء الضالين إننى ما تحديتكم وطلبت كيدكم وكيد أصنامكم ـ إن كنتم أنتم وهم تقدرون على ذلك على سبيل الفرض ـ إلا لأنى معتز بالله وحده ، فهو ناصري ومتولى أمرى ، وهو الذي نزل هذا القرآن لأخرجكم به من الظلمات إلى النور ، وقد جرت سنته ـ سبحانه ـ أن يتولى الصالحين وأن يجعل العاقبة لهم.
قال الحسن البصري : إن المشركين كانوا يخوفون الرسول صلىاللهعليهوسلم بآلهتهم فقال ـ تعالى ـ (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) الآية ـ ليظهر لكم أنه لا قدرة لها على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه. وهذا كما قال هود ـ عليهالسلام ـ لقومه ردا على قولهم. (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ـ قالَ : إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).
ثم قال ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) أى : والذين تعبدونهم من دون الله أو تنادونهم لدفع الضر أو جلب النفع لا يستطيعون نصركم في أى أمر من الأمور ، وفضلا عن ذلك فهم لا يستطيعون رفع الأذى عن أنفسهم إذا ما اعتدى عليهم معتد.
ثم قال ـ تعالى ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى) أى : إلى أن يرشدوكم إلى ما تحصلون به مقاصدكم من النصر على الأعداء أو غير ذلك (لا يَسْمَعُوا) أى : لا يسمعوا شيئا مما تطلبونه منهم ، ولو سمعوا ـ على سبيل الفرض ـ ما استجابوا لكم لعجزهم عن فعل أى شيء.
وقوله (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) بيان لعجزهم عن الإبصار بعد بيان عجزهم عن السمع ، أى : وترى هذه الأصنام كأنها تنظر إليك بواسطة تلك العيون الصناعية