والأمر هنا للتعجيز أى : أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب إن استطعتم إلى ذلك سبيلا.
قال الآلوسى : وذهب بعضهم إلى أن هذا تمثيل لفعل الملائكة في قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة ولا يمهله ويقول له : أخرج مالي عليك الساعة ولا أبرح مكاني حتى انتزعه منك (١). وفي الكشاف : أنه كناية عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال ولا بسط ولا قول حقيقة هناك واستظهر ابن المنير أنهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصور المحكية وإذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها».
ولعل مما يؤيد قول ابن المنير في تعليقه على ما قال صاحب الكشاف ما جاء في آية أخرى وهي قوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (٢).
وقوله : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) هذا القول من تتمة ما تقوله الملائكة لأولئك الظالمين.
أى : تقول لهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تلقون عذاب الذل والهوان لا بظلم من الرحمن ، وإنما بسبب أنكم كنتم في دنياكم تفترون على الله الكذب ، وبسبب أنكم كنتم معرضين عن آياته ، مستكبرين عنها ولا تتأملون فيها ، ولا تعتبرون بها.
والمراد باليوم مطلق الزمن لا اليوم المتعارف عليه ، وهو إما حين الموت أو ما يشمله وما بعده.
والهون معناه : الهوان والذل ، وفسره صاحب الكشاف ، بالهوان الشديد وقال : «وإضافة العذاب إليه كقولك ، رجل سوء يريد العراقة في الهوان والتمكن فيه» (٣).
ثم صور ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يعرضون للحساب فقال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ).
أى : ولقد جئتمونا للحساب والجزاء منعزلين ومنفردين عن الأموال والأولاد وعن كل ما جمعتموه في الدنيا من متاع ، أو منفردين عن الأصنام والأوثان التي زعمتهم أنها شفعاؤكم عند الله.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٢٢٤.
(٢) سورة الأنفال الآية ٥٠.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٧.