وفرادى قيل هو جمع فرد ، وفريد وقيل : هو اسم جمع لأن فردا لا يجمع على فرادى وقول من قال إنه جمع : أراد أنه جمع له في المعنى :
وهذه الجملة الكريمة مستأنفة جاءت لبيان ما سيقوله الله لهؤلاء الظالمين يوم القيامة ، بعد بيان ما تقوله ملائكة العذاب عند موتهم.
وقوله : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تشبيه للمجيء أريد منه معنى الإحياء بعد الموت الذي كانوا ينكرونه فقد رأوه رأى العين.
أى : جئتمونا منعزلين عن كل ما كنتم تعتزون به في الحياة الدنيا ، مجيئا مثل مجيئكم يوم خلقناكم أول مرة حفاة عراة. فالكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف.
روى الشيخان عن ابن عباس قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بموعظة فقال : «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١).
ورويا ـ أيضا ـ عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «تحشرون حفاه عراة غرلا. قالت : يا رسول الله ، الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال صلىاللهعليهوسلم : الأمر أشد من أن يهمهم ذلك» (٢).
وروى الطبراني بسنده عن عائشة أنها قالت قرأت قول الله ـ تعالى ـ (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) فقالت : يا رسول الله وا سوأتاه! الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال ، شغل بعضهم عن بعض.
قوله : (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ) أى : تركتم ما أعطيناكم وملكناكم في الدنيا من أموال وأولاد وغيرهما وراء ظهوركم ولم تحملوا منه معكم نقيرا عند ما جئتمونا للحساب.
الخول : ما أعطاه الله لعباده من النعم : يقال : خوله الشيء تخويلا ، ملكه إياه ومكنه منه. ومنه التخول بمعنى التعهد.
والجملة الكريمة تتضمن توبيخهم ، لأنهم لم يقدموا منه شيئا في دنياهم ليكون نافعا لهم في أخراهم ، بل جمعوه وتركوه لغيرهم دون أن ينتفعوا به في معادهم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء باب قوله ـ تعالى ـ (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) وأخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق. باب كيف الحشر.