وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول ابن آدم : مالي! مالي! وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس» (١).
وقوله : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) تقريع وتوبيخ لهم على شركهم.
أى : ما نرى وما نبصر معكم من زعمتم أنهم سيشفعون لكم عند الله من الأصنام والأوثان التي توهمتم أنهم شركاء لله تعالى في ربوبيتكم واستحقاقه عبادتكم.
وقوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أى : لقد تقطع الاتصال الذي كان بينكم في الدنيا واضمحل. ففاعل (تَقَطَّعَ) ضمير يعود على الاتصال المدلول عليه بلفظ (شُرَكاءُ) و (بَيْنَكُمْ) منصوب على الظرفية.
وقرئ بالرفع أى : لقد تقطع شملكم فإن البين مصدر يستعمل في الوصل وفي الفراق بالاشتراك ؛ والأصل لقد تقطع ما بينكم وقد قرئ به أى : تقطع ما بينكم من الأسباب والصلات.
(وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أى : وغلب عنكم ما كنتم تزعمون من شفاعة الشفعاء ، ورجاء الأنداد والأصنام. كما قال ـ تعالى ـ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ* وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (٢).
وهكذا يسوق القرآن مشهد هؤلاء الظالمين بتلك الصورة التي تهز النفوس ، وتحمل العقلاء على الإيمان والعمل الصالح.
* * *
وبعد أن ساق ـ سبحانه ـ ألوانا من الدلائل على وحدانيته ، وعلى صدق نبيه صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، شرع ـ سبحانه ـ في سرد مظاهر قدرته ، وكمال علمه وحكمته عن طريق التأمل في هذا الكون العجيب ، وفي بدائع مخلوقاته فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق.
(٢) سورة البقرة الآيتان : ١٦٦ ، ١٦٧.