والمعنى : ولله ـ سبحانه ـ جميع ما استقر وتحرك ووجد في كل زمان ومكان من إنسان وحيوان ونبات وغير ذلك من المخلوقات ، وهو ـ سبحانه ـ السميع لكل دقيق وجليل ، العليم بكل الظواهر والبواطن ، والتعبير بما في قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ) للدلالة على العموم والشمول.
ثم أمر ـ سبحانه ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد ، وأن ينفى عن نفسه بشدة ما تردوا فيه من جهالة وضلالة فقال :
(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ).
أى : قل لهم ـ يا محمد ـ موبخا وزاجرا ، بأى عقل أبحتم لأنفسكم الإشراك بالله ، واتخذتم من دونه معبودا سواه ، مع أنه ـ سبحانه ـ باعترافكم هو الخالق لكم وللسموات والأرض ولكل شيء؟
وقد سلطت الهمزة على المفعول الأول لا على الفعل ، للإيذان بأن المستنكر إنما هو اتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي مطلقا ، ونظير هذه الآية قوله ـ تعالى ـ (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ).
ثم دلل ـ سبحانه ـ على أنه هو وحده المستحق للعبادة بأمرين.
أولهما : قوله ـ تعالى ـ (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
أى خالقهما ومنشئهما على غير مثال سبق ، فالفطر ـ كما قال اللغويون ـ الإبداع والإيجاد من غير سبق مثال يحتذي.
وثانيهما : قوله ـ تعالى ـ (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ).
أى : أنه ـ سبحانه ـ هو الذي لا يحتاج إلى أحد وكل ما سواه محتاج إليه وهو الرزاق لغيره ، والمنافع كلها من عنده.
وقرأ أبو عمرو (وهو يطعم ولا يطعم) بفتح الياء في الثاني. أى : وهو يرزق غيره ويطعمه أما هو ـ سبحانه ـ فلا يتناول طعاما ولا شرابا.
وهذه الجملة حالية مؤيدة لإنكار اتخاذ ولى سوى الله ، وفيها تعريض بمن اتخذوا أولياء من دونه من البشر بأنهم محتاجون إلى الطعام ، وأنه ـ سبحانه ـ هو الذي خلق لهم هذا الطعام فهم عاجزون عن البقاء بدونه.
ثم أمره ـ سبحانه ـ بأن يصرح أمامهم بأنه برىء من شركهم ومن أفعالهم القبيحة فقال ـ تعالى ـ (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
أى : قل أيها الرسول الكريم بعد إيراد هذه الآيات والحج الدالة على وحدانية الله : إنى