وغير مفعول لأبتغى و (حَكَماً) إما أن يكون حالا لغير أو تمييزا له. وجملة (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) حالية مؤكدة للإنكار أى : أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ، والحال أنه ـ سبحانه ـ هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ، أى مبينا فيه الحق والباطل ، والحلال والحرام ، والخير والشر ، وغير ذلك من الأحكام التي أنتم في حاجة إليها في دينكم ودنياكم ، وأسند الإنزال إليهم لاستمالتهم نحو المنزل واستدعائهم إلى قبول حكمه ، لأن من نزل الشيء من أجله ، من الواجب عليه أن يتقبل حكمه.
ثم ساق ـ سبحانه ـ دليلا آخر على أن القرآن حق فقال : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ).
أى : والذين آتيناهم الكتاب أى التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى يعلمون علم اليقين أن هذا القرآن منزل عليك من ربك بالحق. لأنهم يجدون في كتبهم البشارات التي تبشر بك ، ولأن هذا القرآن الذي أنزله الله عليك مصدق لكتبهم ومهيمن عليها.
فهذه الجملة الكريمة تقرير لكون القرآن منزلا من عند الله ، لأن الذين وثق بهم المشركون من علماء أهل الكتاب عالمون بحقيقته وأنه منزل من عند الله.
وقوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أى : فلا تكونن من الشاكين في أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند ربك بالحق ، لأن عدم اعتراف بعضهم بذلك مرده إلى الحسد والجحود ، وهذا النهى إنما هو زيادة في التوكيد ، وتثبيت لليقين ، كي لا يجول في خاطره طائف من التردد في هذا اليقين.
قال ابن كثير : وهذا كقوله ـ تعالى ـ (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) قال : وهذا شرط ، والشرط لا يقتضى وقوعه ، ولهذا جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا أشك ولا أسأل» (١).
وقيل : الخطاب لكل من يتأتى له الخطاب على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقه فلا ينبغي أن يشك في ذلك أحد.
وقيل : الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمقصود أمته ، لأنه صلىاللهعليهوسلم حاشاه من الشك.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هذا الكتاب كامل من حيث ذاته بعد أن بين كماله من حيث إضافته إليه ـ تعالى ـ بكونه منزلا منه بالحق فقال ـ تعالى ـ : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) وقرئ (كلمات ربك).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٦٧.