فالآية الكريمة تهدف إلى تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم والترويح عن نفسه ، وتبشيره بحسن العاقبة وتثبيت قلبه حتى لا يتأثر أو يضعف أمام سفه المشركين وتطاولهم عليه.
والاستهزاء بالشيء : الاستهانة به ، والاستهزاء بالشخص احتقاره وعدم الاهتمام بأمره. وتنكير الرسل للتكثير والتعظيم ، والفاء في قوله (فَحاقَ) للسببية ، أى : بسبب هذا الاستهزاء برسل الله الكرام ، أحاط العذاب بأولئك المستهزئين فأهلكهم.
وقال ـ سبحانه ـ (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا) ولم يقل بالساخرين ، للإشارة إلى أن ما أصابهم من عذاب لم يكن تجنبا عليهم ، وإنما كان بسبب سخريتهم برسل الله والاستخفاف بهم ؛ لأن التعبير بالموصول يفيد أن الصلة هي علة الحكم.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) مجاز علاقته السببية ، لأن الذي حاق بهم هو العذاب المسبب عن الاستهزاء ، ففيه إطلاق السبب وإرادة المسبب ، وذلك يفيد أن العذاب ملازم لهذه السخرية لا ينفك عنها ، فحيثما وجد التطاول على أولياء الله والدعاة إلى دينه ، وجد معه عذاب الله وسخطه على المتطاولين والمستهزئين.
ثم أمر القرآن النبي صلىاللهعليهوسلم أن يذكرهم بحال من سبقوهم عن طريق التطلع إلى آثارهم ، والتدبر فيما أصابهم. والاتعاظ بما حل بهم فقال ـ تعالى ـ :
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
أى : قل ـ يا محمد ـ لأولئك المكذبين لك ، المستهزئين بدعوتك ، لا تغتروا بما أنتم فيه من قوة وجاه ، فإن ذلك لا دوام له ، وسيروا في فجاج الأرض متدبرين متأملين ، فسترون بأعينكم آثار أقوام كانوا أشد منكم قوة وأكثر جمعا ، ولكن ذلك لم يمنع وقوع العذاب بهم حين بدلوا نعمة الله كفرا ، وحاربوا رسل الله والدعاة إلى دينه.
وقد ذكر القرآن الكريم في سور متعددة أن آثار أولئك الأقوام المهلكين ، ما زال بعضها باقيا ، وإنها لتدعو العقلاء إلى الاتعاظ والاعتبار فقال ـ تعالى ـ : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) (١).
وقال ـ تعالى ـ في شأن قوم لوط : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَبِاللَّيْلِ ، أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢).
__________________
(١) سورة هود الآية : ١٠٠.
(٢) سورة الصافات الآيتان ١٣٧ ، ١٣٨.