البخس ، وليتهم قنعوا به بل جمعوا «حشفا وسوء كيلة» فإنا لله وإنا إليه راجعون (١) ثم نهاهم عن الإفساد بوجه عام فقال : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أى : لا تفسدوا في الأرض بما ترتكبون فيها من ظلم وبغى ، وكفر وعصيان ، بعد أن أصلح أمرها وأمر أهلها الأنبياء وأتباعهم الصالحون الذين يعدلون في معاملاتهم ويلتزمون الحق في كل تصرفاتهم.
ثم ختمت الآية بتلك الجملة الكريمة التي استجاش بها شعيب مشاعر الإيمان في نفوس قومه حيث قال لهم : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
أى : ذلكم الذي آمركم به وأنهاكم عنه خير لكم في الحال والمآل فبادروا إلى الاستجابة لي إن كنتم مصدقين قولي ، ومنتفعين بالهدايات التي جئت بها إليكم من ربكم.
فاسم الإشارة (ذلِكُمْ) يعود إلى ما ذكر من الأمر بالوفاء في الكيل والميزان والنهى عن بخس الناس أشياءهم وعن الإفساد في الأرض.
ثم انتقل شعيب إلى نهيهم عن رذائل أخرى كانوا متلبسين بها فقال : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) توعدون : من التوعد بمعنى التخويف والتهديد. أى : ولا تقعدوا بكل طريق من الطرق المسلوكة تهددون من آمن بي بالقتل ، وتخيفونه بأنواع الأذى ، وتلصقون بي وأنا نبيكم التهم التي أنا برىء منها ، بأن تقولوا لمن يريد الإيمان برسالتي : إن شعيبا كذاب وإنه يريد أن يفتنكم عن دينكم.
وقوله : (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ ، وَتَبْغُونَها عِوَجاً) أى : وتصرفون عن دين الله وطاعته من آمن به ، وتطلبون لطريقه العوج بإلقاء الشبه أو بوصفها بما ينقصها ، مع أنها هي الطريق المستقيم الذي هو أبعد ما يكون عن شائبه الاعوجاج.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : صراط الحق واحد (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) فكيف قيل : بكل صراط؟ قلت : صراط الحق واحد ، ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة ، فكانوا إذا رأوا أحدا يشرع في شيء منها أوعدوه وصدوه فإن قلت : إلام يرجع الضمير في (آمَنَ بِهِ)؟ قلت : إلى كل صراط ، والتقدير : توعدون من آمن به وتصدون عنه. فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٨ ص ١٧٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٨.