وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، وأنه لم يبعث نبي مرتين إلا شعيب ـ عليهالسلام ـ.
ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة فأهل مدين هم أصحاب الأيكة أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة ـ أى السحابة ـ ، وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر.
وبعد أن دعاهم إلى وحدانية الله شأن جميع الرسل في بدء دعوتهم قال لهم : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أى : قد جاءتكم معجزة شاهدة بصحة نبوتي توجب عليكم الإيمان بي والأخذ بما آمركم به والانتهاء عما أنهاكم عنه.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما كانت معجزته؟ قلت : قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة لقوله : (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، ولأنه لا بد لمدعي النبوة من معجزة تشهد له وتصدقه وإلا لم تصح دعواه ، وكان متنبئا لا نبيا ، غير أن معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر معجزات نبينا صلىاللهعليهوسلم فيه (١).
ثم أخذ في نهيهم عن أبرز المنكرات التي كانت متفشية فيهم فقال ـ كما حكى القرآن عنه ـ :
(فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) الكيل والميزان مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن به ، كالعيش بمعنى ما يعاش به. أو المكيل والموزون.
أى : فأتموا الكيل والميزان للناس بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أى : ولا تنقصوهم حقوقهم بتطفيف الكيل ونقص الوزن فيما يجرى بينكم وبينهم من معاملات.
يقال : بخسه حقه يبخسه إذا نقصه إياه. وظلمه فيه «وتبخسوا» تعدى إلى مفعولين أولهما الناس والثاني أشياءهم.
وفائدة التصريح بالنهى عن النقص بعد الأمر بالإيفاء ، تأكيد ذلك الأمر وبيان قبح ضده.
قال الآلوسى : وقد يراد بالأشياء الحقوق مطلقا فإنهم كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوة. وقد جاء عن ابن عباس أنهم كانوا قوما طغاة بغاة يجلسون على الطريق فيبخسون الناس أموالهم. قيل ويدخل في ذلك بخس الرجل حقه من حسن المعاملة والتوقير اللائق به وبيان فضله على ما هو عليه للسائل عنه. وكثير ممن ينتسب إلى أهل العلم اليوم مبتلون بهذا
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١٢٧.