تبين للناس في كل زمان ومكان أن التحلي بمكارم الأخلاق إنما هو نتيجة لإخلاص العبادة لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد.
قال القرطبي : هذه الآية من ثلاث كلمات ، تضمنت قواعد الشريعة في المأمورات والمنهيات.
فقوله (خُذِ الْعَفْوَ) دخل فيه صلة القاطعين والعفو عن المذنبين ، والرفق بالمؤمنين ، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) صلة الأرحام ، وتقوى الله في الحلال والحرام ، وغض الأبصار ، والاستعداد لدار القرار.
وفي قوله (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) الحض على التعلق بالعلم ، والإعراض عن أهل الظلم ، والتنزّه عن منازعة السفهاء ، ومساواة الجهلة الأغنياء ، وغير ذلك من الأخلاق المجيدة والأفعال الرشيدة» (١).
ثم يرشد القرآن المسلمين في شخص الرسول الكريم صلىاللهعليهوسلم إلى ما يهدئ غضبهم ويطفئ ثورتهم فيقول :
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) (٢٠٢)
النزغ والنخس والغرز بمعنى واحد ، وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا ونحوها في الجلد.
أى : وإن تعرض لك من الشيطان وسوسة تثير غضبك ، وتحملك على خلاف ما أمرت به من أخذ العفو والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين ، فالتجئ إلى الله ، واستعذ بحماه ، فإنه ـ سبحانه ـ سميع لدعائك ، عليم بكل أحوالك. وهو وحده الكفيل بصرف وسوسة الشياطين عنك ، وصيانتك من همزاتهم ونزغاتهم.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٣٤٤.