وحموه من كل من يعاديه ، مع التعظيم والتوقير له ونصروه بكل وسائل النصر (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) وهو القرآن والوحى الذي جاء به ودعا إليه الناس ، (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أى الفائزون الظافرون برحمة الله ورضوانه.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد وصفت النبي صلىاللهعليهوسلم بأحسن الصفات وأكرم المناقب ، وأقامت الحجة على أهل الكتاب بما يجدونه في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم بأنه ما جاء إلا لهدايتهم وسعادتهم ، وأنهم إن آمنوا به وصدقوه ، كانوا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
ثم أمر الله رسوله أن يبين للناس أنه مرسل إلى الناس كافة ، فقال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) أى : قل يا محمد لكافة البشر من عرب وعجم ، إنى رسول الله إليكم جميعا ، لا فرق بين نصراني أو يهودي ، وإنما رسالتي إلى الناس عامة ، وقد جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية ما يؤيد عموم رسالته.
أما في القرآن الكريم ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).
وقال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً).
وقال تعالى : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).
أى وأنذر من بلغه القرآن ممن سيوجد إلى يوم القيامة من سائر الأمم وفي ذلك دلالة على عموم رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى أن أحكام القرآن تعم الثقلين إلى يوم الدين.
وأما في السنة فمن ذلك ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة» (١).
وفي صحيح مسلم عن أبى موسى الأشعرى ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (٢).
قال الإمام ابن كثير : والآيات في هذا كثيرة ، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر ، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم (٣) ه.
__________________
(١) صحيح البخاري (باب التيمم) ج ١ ص ٧٧.
(٢) صحيح مسلم (كتاب المساجد).
(٣) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٥٥.