قوله تعالى : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) أى عهدي.
قال القرطبي : «وقد جمعت هذه الآية المعنيين ، فإن بنى إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال ، كغسل البول ، وتحليل الغنائم ، ومجالسة الحائض ، ومؤاكلتها ومضاجعتها. فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها وإذا حاضت المرأة لم يقربوها. إلى غير ذلك مما ثبت في الصحيح وغيره» (١).
والأغلال : جمع غل. وهو ما يوضع في العنق أو اليد من الحديد. والتعبير بوضع الإصر والأغلال عنهم استعارة لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة والتكاليف الشديدة كاشتراط قتل النفس لصحة التوبة. فقد شبه ـ سبحانه ـ ما أخذ به بنو إسرائيل من الشدة في العبادات والمعاملات والمأكولات جزاء ظلمهم بحال من يحمل أثقالا يئن من حملها وهو فوق ذلك مقيد بالسلاسل ؛ والأغلال في عنقه ويديه ورجليه.
والمعنى : إن من صفات هذا الرسول النبي الأمى أنه جاءهم ليرفع عنهم ما ثقل عليهم من تكاليف كلفهم الله بها بسبب ظلمهم. لأنه ـ عليه الصلاة والسلام جاء بالتبشير والتخفيف. وبعث بالحنيفية السمحة. ومن وصاياه صلىاللهعليهوسلم : «بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا».
قال الإمام ابن كثير : «وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم. فوسع الله على هذه الأمة أمورها. وسهلها لهم. ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به أنفسهم ما لم تقل أو تعمل». وقال : «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولهذا قال : أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ. وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال بعد كل سؤال من هذه : قد فعلت قد فعلت» (٢).
إذا ، فمن الواجب على بنى إسرائيل أن يتبعوا محمدا صلىاللهعليهوسلم الذي هذه صفاته ، والذي في اتباعه سعادتهم في دنياهم وآخرتهم ، ولهذا ختم الله ـ تعالى ـ الآية الكريمة ببيان حالة المصدقين لنبيه فقال تعالى :
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
أى : فالذين آمنوا بهذا الرسول النبي الأمى من بنى إسرائيل وغيرهم وعزروه ، بأن منعوه
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٧ ص ٣٠٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٢٥٤.