(أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ، وَلِتَتَّقُوا ، وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الهمزة في أول الجملة للاستفهام الإنكارى ، والواو بعدها للعطف على محذوف مقدر بعد الهمزة.
والمعنى : أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر أى موعظة من ربكم وخالقكم على لسان رجل من جنسكم ، تعرفون مولده ونشأته.
ولقد حكى القرآن عن قوم نوح أنهم عجبوا من أن يختار الله رسولا منهم ، قال ـ تعالى ـ : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ، وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (١).
وقوله : (لِيُنْذِرَكُمْ) علة للمجيء ، أى : وليحذركم العذاب والعقاب على الكفر والمعاصي.
وقوله : (وَلِتَتَّقُوا) علة ثانية مرتبة على العلة التي قبلها ، أى : ولتوجد منكم التقوى ، وهي الخشية من الله بسبب الإنذار.
وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) علة ثالثة مترتبة على التي قبلها. أى : ولترحموا بسبب التقوى إن وجدت منكم.
قال بعض العلماء : وهذا الترتيب في غاية الحسن ، لأن المقصود من الإرسال الإنذار ، ومن الإنذار التقوى. ومن التقوى الفوز بالرحمة.
وفائدة حرف الترجي (وَلَعَلَّكُمْ) التنبيه على عزة المطلب ، وأن التقوى غير موجبة للرحمة ، بل هي منوطة بفضل الله ، وأن المتقى ينبغي ألا يعتمد على تقواه ولا يأمن عذاب الله» (٢).
وإلى هنا نكون قد عرفنا أسلوب نوح في دعوته كما جاء في هذه السورة الكريمة ، فماذا كان موقف قومه؟
لقد صرحت السورة الكريمة بأن موقفهم كان قبيحا ، ولذا عوقبوا بما يناسب جرمهم قال ـ تعالى ـ : (فَكَذَّبُوهُ) أى : فكذب قوم نوح نبيهم ومرشدهم نوحا ، وأصروا على التكذيب مع أنه دعاهم إلى الهدى ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا ، ومع أنه مكث فيهم «ألف سنة إلا خمسين عاما» كانت نتيجة ذلك ـ كما حكى القرآن :
__________________
(١) سورة المؤمنون : الآية ٢٤.
(٢) حاشية الجمل ج ٢ ص ١٥٥.