ثم ذكر ـ سبحانه ـ ما يقوى دواعي الذكر ، وينهض بالهمم إليه ، بمدحه للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم ملائكة الملأ الأعلى. والمراد بالعندية القرب من الله ـ تعالى ـ بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزهه ـ سبحانه ـ عن ذلك.
(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) بل يؤدونها حسبما أمروا به بخضوع وطاعة.
(وَيُسَبِّحُونَهُ) أى : ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله على ابلغ وجه.
(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) أى : يخصونه وحده بغاية العبودية والتذلل والخضوع ، ولا يشركون معه أحدا في عبادة من عباداتهم.
أما بعد : فهذه هي سورة الأعراف التي سبحت بنا سبحا طويلا وهي تحدثنا عن أدلة وحدانية الله ، وعن هداية القرآن الكريم ، وعن مظاهر نعم الله على خلقه ، وعن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وعن بعض الأنبياء وما جرى لهم مع أقوامهم ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء الأقوام ، وعن سنن الله ـ تعالى ـ في إسعاد الأمم وإشقائها ، وغير ذلك من أصول التشريع وآداب الاجتماع ، وشئون البشر.
وقد استعملت السورة في أوامرها ونواهيها وتوجيهاتها أساليب التذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، وإيراد الحجج المقنعة ، ودفع الشبهات الفاسدة.
وهذا تفسير لها تناولنا فيه بالشرح والتحليل ما اشتملت عليه من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، ومقاصد جليلة ، وحجج باهرة ، ومواعظ مؤثرة.
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، ونافعا لنا يوم الدين.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* * *