والمراد بالجهر : رفع الصوت بإفراط ، وبما دونه مما هو أقل منه ، وهو الوسط بين الجهر والمخافتة ، قال ابن عباس : هو أن يسمع نفسه.
وقوله (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) متعلق باذكر ، والغدو جمع غدوة وهو ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس.
والآصال جمع أصيل وهو من العصر إلى الغروب.
أى : اذكر ربك مستحضرا عظمته ، في كل وقت ، وراقبه في كل حال ، لا سيما في هذين الوقتين لأنهما طرفا النهار ومن افتتح نهاره بذكر الله واختتمه به كان جديرا برعاية ربه.
قيل : وخص هذان الوقتان بالذكر لأنهما وقت سكون ودعة وتعبد واجتهاد. وما بينهما من أوقات الغالب فيها الانقطاع لأمر المعاش.
ثم نهى ـ سبحانه ـ عن الغفلة عن ذكره فقال : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) الذين شغلتهم الدنيا عن ذكر الله.
وفيه إشعار بطلب دوام ذكره ـ تعالى ـ واستحضار عظمته وجلاله وكبريائه بقدر الطاقة البشرية.
قال بعض العلماء : ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن للذكر آدابا من أهمها :
١ ـ أن يكون في النفس لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص ، وأقرب إلى الإجابة ، وأبعد من الرياء.
٢ ـ أن يكون على سبيل التضرع وهو التذلل والخضوع والاعتراف بالتقصير.
٣ ـ أن يكون على وجه الخيفة أى الخوف والخشية من سلطان الربوبية وعظمة الألوهية من المؤاخذة على التقصير في العمل لتخشع النفس ويخضع القلب.
٤ ـ أن يكون دون الجهر لأنه أقرب إلى حسن التفكر ، وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى قال : رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم يا أيها الناس : اربعوا على أنفسكم ـ أى هونوا على أنفسكم ـ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا. إن الذي تدعونه سميع قريب ، أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته».
٥ ـ أن يكون باللسان لا بالقلب وحده ، وهو مستفاد من قوله (وَدُونَ الْجَهْرِ) لأن معناه ومتكلما كلاما دون الجهر ، فيكون صفة لمعمول حال محذوفة ، معطوفا على (تَضَرُّعاً) أو هو معطوف على (فِي نَفْسِكَ) أى : اذكره ذكرا في نفسك وذكرا بلسانك دون الجهر (١).
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٧ ص ٢٩٣٦.