فحدثتنا عن قصة موسى مع فرعون ومع بنى إسرائيل بعد حديثها قبل ذلك عن شعيب الذي كان معاصرا لموسى ـ عليهماالسلام ـ.
فأنت ترى أن السورة الكريمة قد التزمت الترتيب التاريخى في حديثها عن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
ولقد قلنا من قبل إن الأسلوب البارز في هذه السورة الكريمة وهي تدعو الناس إلى وحدانية الله يتجلى في تذكيرهم بنعم الله التي لا تحصى ، وتخويفهم عن طريق سرد أحوال الأمم المهلكة ، بسبب مخالفتها لرسلها ، وعتوها عن أمر ربها ، ولعل هذا هو السر في أنها ساقت لنا قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب مع أممهم الذين أهلكوا بسبب كفرهم ولم تذكر لنا ـ مثلا ـ قصة إبراهيم مع قومه مع أن لوطا ـ عليهالسلام ـ كان معاصرا له ، وذلك لأن قوم إبراهيم لم يهلكوا ، ولم يلتمس هو من ربه ذلك ، بل اعتزلهم وما يعبدون من دون الله.
فالسورة الكريمة قد التزمت في مجموعها الحديث عن مصارع المكذبين ليكونوا عبرة لكل عاقل ، وذكرى لكل عبد منيب.
ومن هنا فهي لا تحدثنا عن قصة موسى من أولها كما جاء في سورة القصص مثلا وإنما هي تبدأ حديثها عنها بالغرض الذي جاءت من أجله وهو التخويف من عواقب التكذيب فتقول : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
وهكذا تصرح السورة الكريمة في أول آية من قصة موسى بالهدف الذي سيقت من أجله وهو النظر والتدبر في عاقبة المفسدين.
ثم بعد ذلك تحدثنا حديثا مستفيضا زاخرا بالعبر والعظات عما دار بين موسى وفرعون من محاورات ومجادلات انتهت بغرق فرعون وقومه ، ثم عما دار بين موسى وبين بنى إسرائيل من مجادلات تدل على أصالتهم في الكذب والإفساد والفسوق عن أمر الله.
والآن فلنستمع إلى السورة الكريمة وهي تحكى لنا قصة موسى مع فرعون ومع بنى إسرائيل في نحو سبعين آية تبدؤها بقوله ـ تعالى ـ :
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤)