ثم بين ـ سبحانه ـ في الآية الأولى من هذه القصة كيف تلقى فرعون وملؤه دعوة موسى وآياته فقال : (فَظَلَمُوا بِها) أى : فكفروا بهذه الآيات تكبرا وجحودا ، فكان عليهم وزر ذلك ، وقد عدى الظلم هنا بالباء مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى الكفر ، إذ هما من واد واحد قال ـ تعالى ـ (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
ويجوز أن تكون الباء للسببية والمفعول محذوف ، أى : ظلموا أنفسهم بسببها بأن عرضوها للعقاب المهين. أو ظلموا الناس بصدهم عن الإيمان بهذه الآيات ، واستمروا على ذلك إلى أن حق عليهم العذاب الأليم.
ثم ختمت الآية بالأمر بالتدبر في أحوال هؤلاء الظالمين وفيما حل بهم من سوء المصير فقال ـ تعالى ـ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) أى : فانظر أيها الرسول الكريم ـ أو أيها العاقل ـ كيف كانت عاقبة فرعون وملئه الذين أفسدوا في الأرض ، لقد أخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم ، وموسى وقومه ينظرون إليهم ، وتلك عاقبة كل من طغى وآثر الحياة الدنيا.
ووضع ـ سبحانه ـ المفسدين موضع ضميرهم للإيذان بأن الظلم مستلزم للافساد.
و (كَيْفَ) خبر لكان مقدم عليها لاقتضائه الصدارة. وعاقبة ، اسمها ، وهذه الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط حرف الجر ، إذ التقدير : فانظر بعين عقلك إلى كيفية ما فعلناه بهم.
وهكذا نرى السورة الكريمة ترينا في أول آية من هذه القصة الغرض الذي سيقت من أجله وهو التدبر في عواقب المكذبين ، والتخويف من المصير الذي ساروا إليه ، وتنهى الناس في كل زمان ومكان عن السير على منوالهم. والسورة الكريمة عند ما ترينا ذلك في مطلع هذه القصة تكون متناسقة كل التناسق مع أسلوبها الذي اختارته في دعوة الناس إلى وحدانية الله وإلى مكارم الأخلاق ، وهو أسلوب التذكير بالنعم ، والتحذير من عواقب الظلم والطغيان ـ كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في التمهيد بين يدي السورة.
ثم بعد هذا التنبيه الإجمالي إلى مآل المفسدين ، أخذت السورة تحكى لنا ما دار بين موسى ـ عليهالسلام ـ وبين فرعون بصورة مفصلة فقالت : (وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أى : قال موسى ـ عليهالسلام ـ لفرعون في أدب واعتزاز إنى رسول من رب العالمين ، أرسلنى إليك لأدعوك لعبادته والخضوع له.
ثم بين له أنه بمقتضى هذه الرسالة لا يقول إلا كلمة الحق فقال : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) أى : جدير بألا أقول على الله إلا القول الحق.