فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (١٢٦)
هذا هو الدرس الأول من قصة موسى مع فرعون وفيه نرى ما دار بين موسى وفرعون من محاورات ، وما دار بين موسى والسحرة من مناقشات ومساجلات انتهت بإيمان السحرة وهم يضرعون إلى الله بلسان صادق ، وقلب سليم فيقولون ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ). ولنبدأ في تفسير آيات هذا الدرس من أولها فنقول :
قوله ـ تعالى ـ (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) معطوف على ما قبله من قصص الأنبياء الذين تحدثت عنهم السورة الكريمة.
وموسى ـ عليهالسلام ـ هو ابن عمران من نسل لاوى بن يعقوب. ويرى بعض المؤرخين أن ولادة موسى كانت في حوالى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وان بعثته كانت في عهد منفتاح بن رمسيس الثاني.
وفرعون : لقب لملوك مصر القدماء ، كلقب قيصر لملوك الروم ، وكسرى لملوك الفرس ، والمعنى : ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل الذين سبق الحديث عنهم ـ وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب ـ بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا التي تدل على صدقه فيما يبلغه عن ربه إلى فرعون وملئه ، وهم اشراف قومه ، ووجهاء دولته.
قال بعض العلماء : «ولم يقل ـ سبحانه ـ إلى فرعون وقومه ، لأن الملك ورجال الدولة هم الذين كانوا مستعبدين لبنى إسرائيل ، وبيدهم أمرهم ، وليس لسائر المصريين من الأمر شيء ، ولأنهم كانوا مستعبدين ـ أيضا ولكن الظلم على بنى إسرائيل الغرباء كان أشد» (١).
وقوله (بِآياتِنا) متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعول بعثنا ، أو صفة لمصدره. أى : بعثناه ـ عليهالسلام ـ ملتبسا بها. أو بعثناه بعثا ملتبسا بها.
والمراد بها الآيات التسع وهي العصا ، واليد البيضاء ، والسنون ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٧.